Terjemahan Mesir dan Barat
تراجم مصرية وغربية
Genre-genre
ما حاجة شكسبير إلى أحجار فوق أحجار يقيمها الناس مدى قرن كامل لتأوي إليها رفاته المجيدة؟ ما حاجته أن تدفن بقاياه المقدسة تحت هرم يصعد حتى يصل إلى عنان السماء؟ يا ابن الذكرى العزيز ووارث المجد العظيم، ماذا يعنيك من هذا الاعتراف الضئيل بفضل اسمك وقد أقمت لنفسك من إعجابنا وعجبنا تمثالا لا يبلى؟!
ملتن
تمثالا لشكسبير! ولماذا؟! إن التمثال الذي أقامه لنفسه على عماد هو إنجلترا كلها لخير له من كل تمثال، ليس شكسبير بحاجة إلى هرم وله مؤلفاته، وماذا يمكن أن يخلد الرخام منه؟ وماذا يستطيع البرنز أن يقيم حيث يقيم المجد؟ إن الأحجار كلها والفنانين الذين ينحتونها يضيعون جهدهم عبثا، فالعبقرية هي العبقرية من غير حاجة إليهم، ولو اجتمعت الأحجار كلها، أفتراها تكبر هذا الرجل إصبعا؟ وأي قوس أبقى من هذا القوس: قصة الشتاء، العاصفة، زوجات وندسور المرحات، يوليوس قيصر، كريولان، وأي أثر أعظم من لير، وأشد تجهما من تاجر البندقية، وأبهر من روميو وجوليت، وأبهى من ريكاردوس الثالث، وأي بدر يلقي على هذا البناء ضياء أعجب من حلم ليلة الشتاء؟ وأي عاصمة ولو كانت لندرة تثير حوله ضجة هائلة كما تثير روح مكبث الهائلة الضجيج؟ وأي حلية من خشب الزان أو البلوط تبقى بقاء أوتللو؟ وأي نحاس أصلب من نحاس هملت؟ كلا، لن يوازي بناء من الحجر أو الصخر أو الحديد هذا الروح، روح العبقرية العميق، روح الله يتجلى به على لسان الإنسان، ورأس فيه فكرة هو القمة، أما أكداس الأحجار فجهود ضائعة، وأي بناء يساوي فكرة؟ إن بابل لدون إيزاس، وخوفو لأصغر من هوميروس، والكوليزيم لأقل من جوفنال، وقصر إشبيلية قزم إلى جانب سرفانتس، وكنيسة القديس بطرس في روما لا توازي كعب دانت، فكيف تستطيعون - وإن جهدتم - أن تقيموا برجا في رفعة هذا الاسم: شكسبير.
فكتور هوجو
وصدق ملتون، وصدق فكتور هوجو، فأنت لا تعني إذ تذكر شكسبير، أأقيمت له تماثيل أم رفعت له نصب وأهرام، وأنت لا تذكر إلى جانب اسمه ما تذكره إلى جانب اسم نابليون من عماد فندوم أو قبر الأنڨاليد، بل أنت إذ تذكر شكسبير تنسى كل ما في العالم غير ما خلف شكسبير، غير هذه التركة الخالدة من الشعر السامي فوق كل مراتب الشعر، والذي يزداد سموا كلما ازددت فيه إمعانا، حتى لتنسى إلى جانبه كل شعر وكل موسيقى وكل فن؛ لأنك ترى فيه عالما كاملا من الأشياء والناس والآلهة خلقه خيال يندمج فيه كل خيال، وفن يتلاشى أمامه كل فن، ولتنسى إلى جانبه الإعجاب في الحياة بأي شيء سواه، هذا وشكسبير لم يكن ملكا ولم يكن غازيا ولم يكن عظيما في قومه، بل كان ككل نابغة وكل عبقري رسولا تؤذيه رسالته حتى لتحرقه، ومن هذا الأذى ومن هذا الاحتراق تتعطر الحياة بأريج تلك الرسالة وتزداد بهذا الأريج شعورا كلما ازداد عطر الاحتراق والأذى ذيوعا وانتشارا.
نعم، لم يكن شكسبير ملكا ولا غازيا ولا عظيما في قومه، بل كان مؤلف روايات وكان مهرجا، كان عمله في الحياة أن يبعث السرور والنشوة إلى نفس الجمهور ثم لا يناله أكثر الأحيان من هذا الجمهور الذي أضحكه غير السخط والازدراء، ومات شكسبير وانطوى دور المهرج فظل أهل عصره ينكرون عليه مقامه كمؤلف وينعتونه بأنه لم يحدث جديدا، وبأنه غراب اكتسى بريش الطيور الجميلة فلم يصنع أكثر من أن سرق ما كتب غيره، لكن الزمن الدائم الكر والذي يصهر تراث الماضي فيستخلص جوهره من خبثه، لم يجد في شكسبير إلا جوهرا يشع في المستقبل إلى قرون وقرون بعده، فلا تزداد إلا تطلعا إليه وإعجابا به، وهذا الزمن وجد في إلهام شكسبير الشعري علما وحكمة، فنفى عنه حسد أهل عصره وأقام له من المجد ما عبر عن بعضه ملتن شاعر إنجلترا الأول بعد شكسبير، وهوجو مقدم شعراء فرنسا ومترجم شكسبير إلى الفرنسية.
وإذا لم يكن شكسبير عظيما في قومه فليس في تاريخ حياته ما يقف النظر عنده إلا أن يكون خلقه الثائر ونفسه المتمردة على الخلق وعلى الفضيلة.
ولد في ستراتفورد-أن-أيفن في 23 أبريل سنة 1564 أي في عصر الملكة إليصابات أحد عصور إنجلترا الزاهرة، وفي القرن السادس عشر عقب الانقلاب الديني العظيم الذي قام به مارتن لوثر وتأثرت به إنجلترا أكثر مما تأثرت به أية أمة غيرها، وكان أبوه جون شكسبير محترما في قومه لأنه كان يملك ثروة تغنيه عن غيره، جاءه بعضها من كده وبعضها من زوجه، وقد اختلف الرواة في الصناعة التي كان يزاولها جون بين أنه كان تاجرا أو مزارعا أو جزارا، ويذهب كثيرون إلى أنه كان يزاول هذه المهن جميعا كما كان يفعل الكثيرون من أهل القرى والبلاد الصغيرة، ولمكانته من قومه انتخب في مجلس بلدته القروي ونيطت به أعمال قاضي المصالحات، وفي سنة 1577 ساءت حال جون شكسبير المالية حين كان ابنه وليم ما يزال - وهو في الثالثة عشرة من عمره - في بداءة تعليمه، فاضطر للاستعانة به في كدح الحياة، وجعل الفتى - على قول بعض مترجميه - «يذبح العجول لأبيه ويلقي أثناء قيامه بعمله خطبا رائعة الأسلوب على سامعيه»، وكذلك انقطع عن الدرس وشغل بهم الحياة حتى تزوج في الثامنة عشرة من عمره من أنا هثواي ورزق منها في 26 مايو سنة 1582 فتاة أسماها سوزان وتوءمين غلامين في فبراير سنة 1585.
على أن هموم الحياة ومشاغل الأسرة لم تغير شيئا من خلقه المضطرب الثائر، فقد أولع منذ صباه بالشراب حتى كان فيه مفخرة قريته، كما أنه كان لا يتعفف عن سرقة الصيد من أملاك كبار الملاك وبخاصة من أملاك السير توماس لوس كبير قضاة قصبته، وكم خضع من أجل ذلك لهوان الضرب ومذلة العقوبة، وفيما هو يوما يجاري أهل قرية مجاورة في الشراب سكر حتى لم يستطع العود إلى أهله، فلما أصبح ذكر حاله وما آل إليه أبوه الذي أدخل السجن بسبب ديونه ففضل هجرة بلد أصبح لا احترام له بين أهله برغم ما كان يشعر به في نفسه من تفوق على أقرانه أن كان قد بدأ يتغنى بشعر ينظمه، فهجر ستراتفورد إلى لندن وهو لا يدري ما يستطيع أن يفعل فيها.
ودخل العاصمة العظيمة خالي الوفاض يضنيه الضنك والعوز فأسرع إلى حرفة من أحقر الحرف، ذلك أنه كان ينتظر بخيول المتفرجين على أبواب المسارح، فإذا انقضت ساعات التمثيل نفحوا هذا الخادم بما تجود به أنفسهم، ولعل لهذه الحرفة الوضيعة حظا غير قليل فيما يدين به العالم اليوم لشكسبير من رواياته الخالدة، فمن سبيل هذه الحرفة استطاع شكسبير أن يعرف بعض الممثلين وأن يكسب عطفهم وأن يلتحق بعد ذلك بإحدى الفرق في أدوار تافهة، لكنها كانت سلمه إلى أدوار خير منها، ومع أنه لم يكن يوما ممثلا بارعا ولم يصل إلى النبوغ في التمثيل إلا ما كان من نبوغه في دور طيف والد هملت، فإن خشبة المسرح هي التي دفعته إلى كتابة روايات تشهد الأجيال المتعاقبة تمثيلها معجبة مقدسة.
Halaman tidak diketahui