فأجابه الرئيس مترددا: لا أدري أيها الملك ... - لا بد لي من أن أعرف كل شيء.
ثم حدج الكاهن بنظر متسلط قاهر، ففكر هذا هنيهة ثم نهض وقال: تعال يا مولاي وانظر!
فتقدم الملك وتبعه الرئيس والسيد جوانفيل والأب إلياس وجوفروا الدومينيكي، وفيما هم سائرون كان الصمت مستوليا عليهم جميعا، إذ إنهم لم يكونوا يجرءون على التفوه بكلمة أمام الأب الرئيس ...
فتح الباب الأرضي، ودخل الجميع بصعوبة إلى المأوى المظلم، حيث لا ترى العين إلا سوادا كالحا.
عند هذا فاحت رائحة منتنة علقت بحناجر الحاضرين، وشعر الملك وأتباعه بأن وشاحا من الجليد ألقي على أكتافهم المرتعشة!
في زاوية من زوايا معبر ضيق، كانت أشعة متموجة تنحدر من مكان مرتفع، وتنير حجرة رحبة ... فشخص الجميع أمامهم، فتراءى لهم كاهن مضطرب الأعضاء، ويداه الشاحبتان ملتحمتان على صدره، وقد جلس على منصب بالقرب من منضدة خشبية.
كان هذا الكاهن قطعة من لحم، لا يزال الدم جاريا في عروقها، ذات منظر أرهب من هيكل عظام، إذ إن قطرات صفراء ممزوجة بعصير مروب كانت تتساقط من محجريها المجوفين؛ وكانت ربوب منتنة تتقطر من مزقها الزرقاء، وتتجمد على الأنف النخر بخطوط سوداء، ومن هذا الجسم البشري النتن كان يتصاعد لهاث سام، كأنما هو ضباب كثيف! ...
ملك الخوف قلوب الحاضرين، فتراجعوا إلى الوراء أمام هذا المشهد الهائل، ولولا احترامهم للملك لما بقوا فترة واحدة في تلك الحجرة المخيفة!
أما الملك فلم يلبث أن شحب وجهه، وتسلطت عليه شفقة عظيمة، فرفع نظره إلى الرئيس مستفهما عن جلية الأمر، فأطلعه هذا على الحادث الذي أدب الخوف في الدير طيلة عشرين سنة، وعلى جريمة الفارس ويأسه وتكفيره وعقابه، ثم زاد على ذلك بقوله: كنت قد وهبته ثيابا مقدسة ورجوت منه أن يبقى مع الإخوة الأحداث، إلا أنه استرحمني أن أدفنه حيا فأذعنت لدموعه، وطلب مني أن أكتم اسمه عن الجميع، وألا أتلفظ به فرضيت، وكنت قد وعدته بألا أبوح بسره، أو أكشف لأحد مكان عزلته، إلا أنني لم أجد الآن بدا من النزول عند مشيئة مولاي الملك.
في تلك الدقيقة تصاعد صوت أجش من الجسم المدمى قائلا: لقد رحمني الله وأشفق على بؤسي وتعاستي، لقد عذبني فباركته! ... وعاقبني فحمدته، أجل، بعد أن مر علي بعض أسابيع وأنا في مدفني هذا، ملأ البرص وجهي، ولا سيما في المكان نفسه الذي صفعت فيه السيدة العذراء والدة الله العظيم! لقد انتقم مني البرص انتقاما عادلا!
Halaman tidak diketahui