كان الأب سليم يحب مريم العذراء محبة عظيمة؛ ولذلك أنقذته من عذاب جهنم الأليم.
إلا أنه لم ينج من نيران المطهر، حيث قضي عليه أن يكفر عن خطيئة الكبرياء، حتى يحين يوم الدينونة الأخيرة ...
لا تخف يا سيدي إذا أبصرت الأب سليما منتصبا بين الخرائب في منتصف الليل، فكثيرون هم الذين رأوا خياله التائه في مثل تلك الساعة المتأخرة.
ثم رسمت شارة الصليب واستطردت قائلة: لنبتعد الآن، فالليل على وشك الهبوط، ولا يجمل بنا أن نبقى في هذا المكان عرضة للخوف والرهبة.
ولم تكد المرأة المسنة التي قادتني إلى خرائب الدير، تتلفظ بهذه الكلمات، حتى أسرعت بالعود إلى المدينة.
بقيت وحدي مدة قصيرة أتأمل الكنيسة المدمرة، والدير المهدوم، ثم عدت على أعقابي صامتا مفكرا موقظا في مخيلتي ذكريات الماضي، وقد تراءت لي أخيلة الرهبان الذين أنقذوا من الهمجية شعبا جاهلا، وغرسوا في الصدور محبة الله العظيم!
كانت الشمس قد انحدرت إلى مغيبها، فانعكست على قبة الدير أشعة صفراء باهتة.
وكنت أجتاز الأروقة ناظرا إلى الأعمدة المنهارة على أقدامها حجارة ضخمة، كأنها أشباح بيضاء لا حراك لها! حتى انتهيت إلى مكان كثر فيه العوسج، فأبصرت كاهنا ملتفا برداء طويل نحت في رخام أحد القبور! كان رأسه مستندا إلى مخدة هابطة، ويداه قابضتين على عكاز! ...
في تلك الساعة كان القمر يشق الظلمات بصعوبة وعجز، وأشعته الباهتة ترسل إلى الأطواد المحطمة أخيلة رهيبة! فشعرت بخشوع ينتابني أمام هذا المشهد.
ولم ألبث أن اقشعر بدني واعتراني خوف شديد.
Halaman tidak diketahui