إذا ما أتَيْتَ العِرْض فاهْتِف بِجَوِّهِ ... سُقِيتَ على شَحْطِ النَّوَى سَبَلَ القَطْرِ
فإنك من وادٍ إليَّ مُرَجَّبٌ ... وإن كنتَ لا تُزْدارُ إلاَّ على عُفْرِ
خلَّط أبو علي ﵀ في هذا الشعر، وهو من شعرين مختلفين لرجلين؛ فثلاثة الأبيات منه ليحيى بن طالب على ما أنا ذاكره. وثلاثة الأبيات منه لقيس بن معاذ. وكان يحيى بن طالب الحنفيُّ سخيًّا يقري الأضياف، فركبه الدَّين الفادح فجلا عن اليمامة إلى بغداد يسأل السلطان قضاء دينه، فأراد من أهل اليمامة الشخوص من بغداد إلى اليمامة فشيَّعه يحيى، فلما جلس الرجل في الزورق ذرفت عينا يحيى وأنشأ يقول:
أحَقًاّ عبادَ الله أن لَسْتُ ناظِرًا ... إلى قَرْقَرَي يَوْمًا وأعلامِها الخُضْرِ
هكذا صحة إنشاده، وأعلامها الخضر لا الغبر، كما أنشده أبو علي ﵀ وكيف يحن إلى أوطان يصفها بالجدب والغبرار!
إذا ارْتَحَلَتْ نحوَ اليمامة رُفْقَةٌ ... دعاك الهوى واهتاجَ قلبُك للذِّكرِ
كأنّ فؤادِي كُلّما مرّ راكبٌ ... جَنَاحُ غُرَبٍ رام نَهْضًا إلى وَكْرِ
فيا حَزَنا ماذا أجِنُّ من الهوى ... ومِن مُضمَرِ الشَّوق الدَّخِيلِ إلى حَجْرِ
تَعَزَّيتُ عنها كارِهًا فتركتُها ... وكان فرَاقِيها أمرَّ من الصَّبْرِ
أقولُ لموسى والدموعُ كأنّها ... جَدَاوِلُ ماءٍ في مَسَارِبها تَجْرِي
ألا هل لشَيخٍ وابنِ ستِّين حِجَّةً ... بكى طربًا نحو اليمامة من عُذرِ
وقد ذكر أبو علي ﵀ خبر يحيى هذا وأنشد له هذا الشعر، ولكنه نسي، ولولا نسيانه لاعتذر. وهكذا صحة اتصال أبيات شعره لا كما وصلها أبو علي ﵀.
وأما أبيات قيس بن معاذ فإنها:
أيا راكبَ الوَجْناء أُبْتَ مُسَلَّمًا ... ولا زِلْتَ من رَيْب الحوادث في سِتْرِ
1 / 46