الاستحباب إذا قال السيد لعبده "افعل" يقتضي إيجاد الفعل إما وجوبًا أو استحبابًا، فإذا قام دليل أنه لم يرد به الوجوب يبقى ما يبقى يقتضي إيجاد الفعل. فكان حقيقة في الندب، كالعموم إذا دخله التخصيص، ما يبقى ويكون حقيقة فيما بقي.
٢٠٩ - لنا أن المندوب طاعة فكان مأمورًا بها كالواجب.
فإن قيل: الواجب لم يصر مأمورًا به لكونه طاعة، وإنما صار مأمورًا به لأنه يثاب على فعل، ويعصى بتركه، وهذا معدوم في الندب.
قيل: «إنما كان» الواجب مأمورًا لأنه استدعى الفعل بالقول على وجه الاستعلاء وهو موجود في المندوب، وقد دللنا على هذا الأصل فيما تقدم بما فيه كفاية.
ثم إن هذا خطأ لأنا نعلم أن صيغة الأمر لو وردت - لم يقتض عليها الثواب، وعلى مخالفتها العقاب- لعقلنا أنها أمر، ولأنها تقتضي إيجاد الفعل. ولأنه إذا كان الواجب ما يثاب على فعله وما يعاقب على تركه فالندب هو ما يثاب على فعله، فصيغة الأمر قد تضمنته لأنه شطر ما يقتضيه وكانت حقيقة فيه كما نقول في العموم المخصوص يحمل على بعض ما يقتضيه ويكون حقيقة في ذلك.
فإن قيل: بل إنما تطلق الحقيقة على البعض إذا لم يكن تنافيًا كالعموم، فإنه لا تنافي بين أبعاضه وكله، وأما المستحب والواجب فإن بينهما تنافيًا من جواز الترك، فلا يكون أحدهما داخلًا في حقيقة الآخر.