"ألّف أبو عمر كتاب التمهيد. . . وهو كتاب لم يصنع أحد مثله في طريقته"، وقال ابن بشكوال: "لم يتقدمه أحد إلى مثله".
ومؤلف هذا الأثر النفيس أبو عمر ابن عبد البر غني عن التعريف إذ طارت شهرته في الآفاق وسارت بتآليفه الركبان وخضع لعلمه علماء الزمان حين أصلح الفاسد وأقام المائد وقوّم الحائد بما آتاه اللَّه من بسطة في العلم أهلته بأن يكون سداد هذا الأمر وعماده، فهو ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين له القدح المعلى في "سعة العلم وقوة الفهم وسيلان الذهن" على حد تعبير إمام المؤرخين شمس الدين الذهبي، فلم يقم في زمانه ببلاد الأندلس أحد مقامه في العلم مع الكفاية والأمانة والصرامة في إظهار الحق؛ إن أبصر زيغًا عَدَّله، وإن صادف ميلًا قوّمه لا يحابي في ذلك أحدًا، وكثيرًا ما خالف أئمة مذهبه المالكي حينما وجد الحق مع غيرهم.
وأنا على يقين بأن أهل العلم سيتلقون هذا الأثر النفيس بما هو أهله من إحسان الذكر وإيفاء الشكر، بعد أن أجاد مؤلفه في تحضير فصوله ونهج فيه منهجًا حميدًا في تمهيد مباحثه والعلم بمصادره وموارده مما عاد بنُجْح مطلبه.
لقد قضى ابن عبد البر أكثر من ثلاثين عامًا في تنقيح هذا الكتاب حتى ظهر بهذه الهيئة الرائقة والصفة البارعة النافعة التي قل نظيرها.
ومثلما هيأ اللَّه تعالى لموطأ الإمام مالك مَن يظهر نكته الفقهية والعلمية ويبين عن إشاراته وإثاراته، فقد هيأ اللَّه له شيخ محققي العصر العلامة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف ليحققه تحقيقًا علميًا نقديًا قائمًا على خبرة عميقة شاملة أنتجت أكثر من ثلاث مئة مجلد، شهد له أساطين أهل العلم بجودة التحقيق والأمانة والدقة المتناهية في إتقان هذا الفن والعناية به.
جمع المحقق نسخ الكتاب الخطية وتتبعها في خزائن الكتب بالخافقين، فوقف على جُل ما عرف لهذا الكتاب من مجلدات مخطوطة في بلاد المغرب، والشام،
1 / 6