تقديم معالي الشيخ أحمد زكي يماني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين، والتحية لأهل بيته، ورضي اللَّه عن صحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن التراث مرآة الأمة وخزانة تجاربها على أنحاء شتى من المعارف الإنسانية، يتقدمها ما أبدعه العَقْل المسلم من تآليف ماتعة نافعة في فقه كتاب اللَّه العزيز وسنة رسوله المبعوث رحمة للعالمين بما يهدف إلى إسعاد البشرية وتقدمها ورقيها والنهوض بحقوق عباد اللَّه الذين أعمرهم أرضه وأمرهم أن ينتشروا فيها ويبتغوا من فضله، فأثروا الحضارة الإنسانية ببديع تلكم التآليف التي طار صيتها في مشارق الأرض ومغاربها.
ويسعدني باسم مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي أن أقدم اليوم كتاب "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" لحافظ عصره الإمام العلامة الجهبذ ابن عبد البر النمري القرطبي دَرّة من درر هذا التراث الخالد، ولعلنا لا نبالغ إذ قلنا: إنه يعدل ألوفًا في جلالة القدر وخلود الذكر، فهو من أعظم شروح موطأ إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي وأشهرها ذكرًا وأعلاها قدرًا وأغزرها فائدة حين أبان فيه عن نكت أغفلها الفقهاء، ففتح أقفالها وقيودها وأغلالها بما آتاه اللَّه من فكر نيّر وعقل نَصِيح، فصار كتابه هذا من أمهات كتب الفقه المقارن، بحرًا لا تكدره الدلاء اتسعت أبعاده وتعددت جوانبه، بحيث قال فيه الإمام العلامة أبو محمد بن حزم الظاهري: "لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه"، وقال عنه العلامة أبو علي الجياني: "هو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله"، وقال القاضي عياض:
1 / 5