أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم
[آل عمران: 125] والآية نزلت في يوم أحد وذلك أنه لما رجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أصابه ما أصاب قال أناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا ولقد وعدنا النصر فنزلت وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل أحد خلفه وأقام الرماة عند الجبل وأمرهم أن يثبتوا مكانهم ولا يبرحوا كانت الدولة للمسلمين أو عليهم فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على أثرهم { إذ تحسونهم } أي تقتلونهم قتلا ذريعا { حتى إذا فشلتم وتنازعتم } والفشل الجبن وضعف الرأي وتنازعوا فقال بعضهم: قد انهزم المشركون فما وقفتنا هذا، وقال بعضهم: لا نخالف أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما ثبت مكانه غير عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله تعالى: { ومنكم من يريد الآخرة } ونفرا أرادوا الدنيا هم الذين نزلوا من الرماة فكر المشركون على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأقبلوا على المسلمين حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا، وروي أنه قتل يوم أحد حمزة بن عبد المطلب ومعه سبعون رجلا وهو قوله تعالى: { ثم صرفكم عنهم ليبتليكم } أي ليمتحن صبركم { ولقد عفا عنكم } لما علم من ندمكم، قوله تعالى: { إذ تصعدون } يعني الجبل { والرسول يدعوكم في أخراكم } يقول: " إلي عباد الله من كر فله الجنة الاخرة المتأخرة " يعني جماعتكم الأخرى، قوله تعالى: { فأثابكم } أي جزاكم { غما بغم } حين صرفكم عنهم وابتلاكم بسبب غم أذقتموه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو غما مضاعفا بعد غم { لكيلا تحزنوا } لئلا تحزنوا { على ما فاتكم } من نصرة الله ولا على ما أصابكم من غلبة العدو، وأنزل الله الأمن على المؤمنين، وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم، قوله تعالى: { نعاسا يغشى طائفة منكم } هم أهل الصدق واليقين { وطائفة } وهم المنافقون { قد أهمتهم أنفسهم } ما بهم إلا هم أنفسهم لا هم الدين ولا هم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين { يظنون بالله غير الحق } في حكم المصدر معناه يظنون بالله غير ظن الحق الذي يجب ألا يظن به مثل ذلك و { ظن الجاهلية } بدل منه ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية ظن أهل الشرك الجاهلين بالله، قوله تعالى: { يقولون } لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { هل لنا من الأمر من شيء } معناه هل لنا معاشر المسلمين من أمر الله من نصيب قط يعنون النصر والإظهار على العدو، قوله تعالى: { قل ان الأمر كله لله } ولأوليائه المؤمنين المسترشدين وهم أهل النصر والغلبة { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } وأن جندنا لهم الغالبون { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } معناه يقولون لك فيما يظهرون { هل لنا من الأمر من شيء } سؤال المؤمنين وهم فيما يظنون على النفاق يقولون في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم: { ان الأمر كله لله } { لو كان لنا من الأمر شيء } أي لو كان الأمر كما قال محمد: " أن الأمر كله لله ولأوليائه وأنهم الغالبون " ، لما غلبنا قط ولما قتل من المسلمين قتل في هذه المعركة، { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين } يعني في علم الله أن يقتل ويصرع في هذه المصارع وكتب ذلك في اللوح المحفوظ لم يكن بد من وجوده، قوله تعالى: { كتب عليهم القتل } الذي علم الله أنهم يقتلون { إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدروكم } أي صدور المؤمنين { وليمحص ما في قلوبكم } من وسواس الشيطان.
[3.155-159]
قوله تعالى: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجمع أبا سفيان بأحد يعني الذين انهزموا بأحد، وقيل: أراد به الرماة { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ببعض ما اكتسبوا من ذنوبهم، ومعناه أن الذين انهزموا يوم أحد كان السبب في توليتهم أنهم أطاعوا الشيطان فافترقوا، فلذلك منعهم التأييد حتى تولوا، وقيل: استزلال الشيطان إياهم هو التولي وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدمت لهم، لأن الذنب يجر إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة، وقيل: تركهم المركز الذي أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالثبات فيه فجرهم ذلك إلى الهزيمة، قوله تعالى: { ولقد عفى الله عنهم } لتوبتهم واعتذارهم، قوله تعالى: { إذا ضربوا في الأرض } يعني إذا سافروا فيها للتجارة أو غيرها { أو كانوا غزى } يعني غزاة للكفار { والله يحيي ويميت } رد لقولهم أي الآمر بيده قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد { والله بما تعملون بصير } فلا تكونوا مثلهم، قوله تعالى: { مما يجمعون } من الدنيا ومنافعها، وعن ابن عباس خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء، قوله تعالى: { ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون } لإلى الرحيم الواسع الرحمة تحشرون، قوله تعالى: { ولو كنت فظا غليظ القلب } قاسيه { لانفضوا من حولك } تفرقوا عنك، قوله تعالى: { فاعف عنهم } فيما يختص بك { واستغفر لهم } فيما يختص بحق الله سبحانه إتماما للشفقة عليهم، قوله تعالى: { وشاورهم في الأمر } يعني أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي ولما فيه من تطييب نفوسهم، وعن الحسن: " قد علم الله أن ما به اليهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده " وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم "
وعن أبي هريرة: ما رأيت أحدا أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ذلك يتعطف الله نبيه مما جرى من أصحابه من الهزيمة والعصيان يوم أحد، قال الشاعر:
شاور صديقك في الحفا المشكل
واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه
في قوله شاورهم وتوكل
Halaman tidak diketahui