Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
وبالجملة: { هنالك } أي: حين أحضروا للسؤال والجواب، والجزاء والحساب { تبلوا } أي: تختبر وتتفطن { كل نفس } جزاء { مآ أسلفت } وكسبت فيما سبقت { و } بعد تفطنهم وتنبههم { ردوا } جميعا { إلى الله } المتوحد المتفرد للجزاء؛ إذ هو { مولاهم } ومولى أمورهم { الحق } وما سواه من الآلهة الكاذبة الباطلة، ومع بطلانها { وضل عنهم } أي: غاب عنهم وضاع عنهم { ما كانوا يفترون } [يونس: 30] ظلما وزورا، وسموهم آلهة وشفعاء، ولم يبق إلا الله الواحد القهار، ولو كوشفوا بوحدة الحق في جميع الأحيان والأحياز لتحققوا بتوحيده دائما بلا توقف إلى يوم القيامة، إلا أنهم لا نهماكهم في الغفلة والضلال لم ينتبهوا في النشأة الأولى.
[10.31-35]
{ قل } يا أكمل الرسل لمن أنكر توحيد الحق، واستقلاله في الآثار والتدبيرات الواقعة في الأقطار إلزاما لهم وتبكيتا: { من يرزقكم من السمآء } بإمطار الأمطار، وتصعيد البخار { والأرض } بالإنبات والإخراج { أمن يملك } ويستطيع أن يخلق { السمع والأبصار } اللتين هما من أعظم أسباب حفظكم وحضانتكم { ومن يخرج الحي } الحيوان السوي { من الميت } أي: النطفة { ويخرج الميت من الحي } أي: النطفة الجامدة من الحيوان { و } بالجملة: { من يدبر الأمر } في عالم الأسباب والمسببات { فسيقولون } اضطرارا لغاية ظهوره ووضوحه، لا يمكنهم أن يكابروا: { الله } المدبر لجميع الأمور الكائنة في الآفاق والأنفس؛ إذ من غاية ظهوره لا يعاندون، ولا يكابرون { فقل } لهم بعدما اعترفوا بالله المدبر لجميع الكوائن والفواسد؛ توبيخا وتقريعا: { أفلا تتقون } [يونس: 31] وتحذرون من بطشه وانتقامه، تشركون له ما لايسمع ولا يضر، ولا يغني من الحق شيئا.
{ فذلكم } الذي اعترفتم به، هو { الله } المتوحد، المستحق للألوهية والمعبودية؛ إذ هو { ربكم } أي: مربيكم ومدبر أمركم؛ لأنه { الحق } الثابت، الحقيق بالحقية { فماذا بعد } وحدة { الحق } مما اتخذتم آلهة ظلما وزورا { إلا الضلال } الباطل { فأنى تصرفون } [يونس: 32] أي: فكيف تصرفون وترجعون إلى غيره من الأضلال الهالكة، وتنسبونها إلى الألوهية والربوبية.
{ كذلك } أي: كما ثبت الربوبية والألوهية للحق سباحنه { حقت كلمت ربك } أي: ثبتت وتمت صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته { على الذين فسقوا } أي: خرجوا من عبادة الله ظلما وعدوانا { أنهم لا يؤمنون } [يونس: 33] أي: لا يوقنون بالله، ولا يصلون إلى مرتبة التوحيد أصلا، لا علما ولا عينا.
{ قل } لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا: { هل من شركآئكم } أي: في وسعه وقدرتهم { من يبدؤا الخلق } أي: يوجده ثم يعدمه { ثم يعيده قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده } كما هو شأن الإله، المنفرد بالألوهية { فأنى تؤفكون } [يونس: 34] أي: كيف تشكون وتصرفون عن جادة التوحيد بالميل إلى هؤلاء التماثيل الزائفة، العاطلة المعطلة.
{ قل } لهم أيضا تبكيتا وإلزاما: { هل من شركآئكم من يهدي إلى } طريق { الحق } وصراط مستقيم، موصل إلى توحيده، فإن بهتوا { قل الله } الهادي لعباده { يهدي للحق } وطريق توحيده من يشاء من عباده، ويوصله إلى مرتبة حق اليقين { أفمن يهدي إلى الحق } أي: اليقين الحقي { أحق } أي: أليق وأحرى { أن يتبع } أي: يطاع ويقاد له { أمن لا يهدي } بنفقسه إلى شيء أصلا { إلا أن يهدى } فاهتدا إن كان من أهل الاستهداء كبعض آلهتكم، مث عزير وعيسى { فما } عرض ولحق { لكم } أيها العقلاء، والمعزولون عن مقتضى العقل { كيف تحكمون } [يونس: 35] بألوهيتهم وشركتهم، مع أن بديهة العقل يأبى عن ذلك.
[10.36-41]
{ و } بالجملة: { ما يتبع أكثرهم } أي: أكثر المشركين في إشراك هؤلاء المنحطين عن درجة الاعتبار مع الله المنزه عن الشريك مطلقا { إلا ظنا } وتخمينا ناشئا من تخيلات فسادة، وتوهمات كاسدة من إنشاء الآثار إلى ظواهر الأسباب، مع الغفلة عن المسبب الموجد لها، و { إن الظن } والتخمين الذي تشبثوا وتمسكوا به { لا يغني } ولا يفيد { من الحق } الصريح الذي هو مناط الإيمان والاعتقاد { شيئا } من الإغناء { إن الله } المطلع لجميع مخايلهم { عليم } خبير بصير { بما يفعلون } [يونس: 36] على مقتضى ظنونهم وخيالاتهم وأوهامهم، فيجازيهم على مقتضى علمه وخبرته.
وبعدما نبه سبحانه على بطلان اعتقاداتهم وظنونهم وجهالاتهم، أراد أن ينبه أن مستند أهل الإيمان الذي هو القرآن الموضح لهم طريق التوحيد والعرفان ليس كذلك، فقال: { وما كان هذا القرآن } المنزل على خير الأنام، المبين لهم قواعد دين الإسلام { أن يفترى } ويخيل أنه صدر { من دون الله } العليم الحكيم، وكيف يصدر هذا من غير الله؛ إذ هو في أعلى مراتب البلاغة، ونهاية درجات الإعجاز؛! لصدوره عن الحكمة المتقنة الإلهية التي كلت الأفهام دونها، وعجزت المدارك والآلات عن دركها، فلا يتوهم صدوره عن غير الله أصلا { ولكن تصديق الذي بين يديه } مطابقا، كما نزل من عنده في الكتب السالفة، بل هو أعلى حكمة، وأتم به فائدة منها { وتفصيل الكتاب } الذي من عمله ولوحه قضائه، وبالجملة: { لا ريب فيه } أنه نازل { من رب العالمين } [يونس: 37] ليس في وسع بشر أن يأتي بمثله.
Halaman tidak diketahui