قلت: ما موقفكم من العداء القائم بين المعسكرين الروسي والغربي؟ وهذا الحديث عن تفاهم مع تركيا؟
أجاب: إن تركيا التي استعمرتنا يشوقها أن تستعمرنا من جديد، وعبيد الاستعمار من الذين تستلذ رقابهم النير لذة «فرودية» بدءوا يرحبون بهذه الفكرة. يهمنا من النزاع العالمي مصلحة أمتنا؛ ولن نضحي بهذا من أجل شرق ولا غرب، نحن أعداء الاستعمار ونقاوم الشيوعية؛ لأنها وسيلة استعمار روسي؛ ولأنها عقيدة مضللة باطلة، ولكننا لن نسمح للغربيين أن يستغلوا عداءنا هذا للشيوعية ليبيعونا بيعا مصالح هي من حقنا، ولا تنس أن المواطن يبقى مواطنا لنا حتى ولو ضللته الشيوعية، يدعي الغربيون أنهم يشتغلون من أجل عالم حر، ونحن لم نر من أعمالهم إلا اضطهادا للحرية.
قلت: حدثني ماذا فعلت هذه الحركة؟
أجاب: إنها انتصرت فينا.
وكأنه لمح صورة جان جلخ وفيليب ضرغام تتخايل أمام عيني، فأوضح: اسمع، كل من اعتنق عقيدة النهضة طهرت نفسه، فلم يعد طائفيا ولا قبائليا ولا أنانيا يسخر المصلحة العامة لمصالحه الخاصة، وشعر بمسئولية نحو بلاده تحفزه للعمل من أجلها، واحترم نفسه؛ فانتفض مطرحا عبوديته للأجنبي، وللإقطاعي ولتجار الوطنية والدين، وتعاون مع رفقائه ومواطنيه و... و...
فقاطعته: وهذا الصيت الذي انتشر من أنكم جماعة إرهابية؟ - نحن لا نؤمن بالعنف، ولكن قطار الحياة يمحق معترضه، نحن جنود لا قبضايات. إن القائمين على الأمر في لبنان اليوم يفهموننا، وإن كانوا يتجاهلون، هم يعرفون عنا بالاختبار والتجربة متى نعلن التعبئة ولماذا. نحن ننفذ إرادة أمتنا ومصالحها وميعادها مع العظمة، ليس منا من يبغي شيئا لنفسه، ومن طلب شيئا لنفسه فما هو بالقومي الاجتماعي. نحن أبدا مستعدون للتضحية عن وعي في سبيل المصلحة العامة ولا نأبه للتوافه والحقارة.
الحياة صراع، والموت من شروط استمرار الحياة وتغذيتها. الحياة تفرض النمو وتنتدب للموت سلبا وإيجابا، من صفوفنا أو من خارج صفوفنا، من يفنى ليحيا فيزول، أو يزيل حاجزا يعرقل الحياة. هذه نظرتنا للواجب، والقومي الاجتماعي ليس له من حقوق بأكثر من أي مواطن آخر، غير أن حركتنا تقسو عليه بأكثر من قسوتها على سواه؛ لأنه أشد وعيا، فهو إذن أكثر مسئولية، تلك المرأة العمياء في بيت مري - أمي - لن أقوم بواجب البنوة نحوها؛ فأفي حق الأمومة إلا إذا كنت متفانيا مع أبناء بلادي من أجلها، ومن أجل كل أم ووالد وولد في بلادي، في نابلس، في النبطية، في أهدن، أو في بغداد. أرملة الشهيد - شهيدنا عساف كرم وأيتامه - ليس لهم علينا أكثر مما لسائر أرامل وشهداء الأمة وأيتامهم في ذمتنا.
ودوى في الغرفة سكون، فإذا بشارات الزوبعة التي من حوله تهم أن تعصف، فتداركتها بسؤال عادي: وكيف تقضي أيامك؟ - أكتب نحوا من عشر ساعات، وأطالع خمس ساعات، وأحاضر ويأخذني التنظيم ساعات، وفي بعض الليالي أنام.
ودفعت إليه بورقة بيضاء وقلت له: اكتب عليها أسماء من تعتقد أنهم أفضل القوميين الاجتماعيين.
قال: ليس بيننا مفاضلة؛ مبادئنا وإيماننا وتعاليمنا ووسائلنا معروفة، من فعلت به صيرت منه المواطن الأمثل، لا يفضل أحدنا الآخر إلا بقدر ما فعلت فيه العقيدة.
Halaman tidak diketahui