83

Sun Yat Sen

سن ياتسن أبو الصين

Genre-genre

إن مبادئ الرئيس لنكولن تطابق مبادئي، فقد كان ينشد حكومة من الأمة تنتخبها الأمة لخدمة الأمة، وهي مبادئ صورت غاية المسعى في عرف الأوروبيين والأمريكيين على السواء، ومن السهل أن نجد كلمات مثلها لسياسة الصين، فقد ترجمتها بالقومية والديمقراطية والاشتراكية، وأحسب أنها لا تعني شيئا غير هذا.

وأريد الآن أن أتكلم عن القومية:

فما هو المعنى الذي نريده بالقومية؟ لقد بقيت الأمة منذ قيام أسرة المانشو خانعة لنيرها الثقيل أكثر من مائتي سنة، وها هي ذي أسرة المانشو قد ذهبت ولاح أن الأمة خليقة أن تستمتع بحريتها الكاملة، فهل تستمتع الأمة الصينية اليوم بنعم الحرية الكاملة؟ كلا، فما هي العلة؟ وما بال حزبنا لا يزال بعيدا من تحقيق غايته لم ينجز منها إلا ناحيتها السلبية دون أن يتقدم شيئا في ناحيتها الإيجابية؟

بعد خلع الأسرة وإنشاء النظام الجمهوري في الأقطار التي تسكنها القوميات الخمس - ونعني بها الصينيين والمنشوريين والمغول والتتار وأهل التيبت - برزت لنا عناصر جمة من أنصار الرجعية السياسية والدينية، وهنا تكمن جذور الشر كله.

فمن جهة العدد يأتي ترتيب هذه القوميات على هذا النسق، ملايين عدة من أهل التيبت، وأقل من مليون من المغول، ونحو عشرة ملايين من التتار، وعدد ضئيل من المنشوريين، أما من الوجهة السياسية فهم موزعون على النحو الآتي: فالمنشوريون يقيمون في دائرة نفوذ اليابان، والمغول على حسب الأنباء الأخيرة يقيمون في دائرة نفوذ الروس، والتيبت غنيمة بريطانيا العظمى، وهذه القوميات لا تملك من القوة ما يكفي لاعتمادها على نفسها في دفاعها، ولكنها تستطيع أن تتحد مع الصين لتكوين دولة واحدة.

وفي الصين أربعمائة مليون، فإن عجزوا عن تكوين أمة واحدة متحدة فتلك مسبتهم، وفيها عدا ذلك دليل على أننا لم نحقق مبدأنا الأول وأننا مضطرون إلى الكفاح طويلا لإتمام عملنا على أوفاه، وإنما توطد الجمهورية المتحدة كي يتألف من جميع القوميات أمة واحدة قوية، وعلى سبيل المثال أشير إلى أمة الولايات المتحدة الأمريكية التي تجتمع منه وحدة متفقة وهي في الواقع تتألف من قوميات شتى، كالألمان والهولنديين والإنجليز والفرنسيين ... إلخ، فالولايات المتحدة مثال للأمة المتحدة، وتكوين أمة كهذه مستطاع، ولا بد أن نستطيعه.

أو خذوا مثالا آخر للأمة المتحدة من أقوام مختلفة بلاد سويسرة، فإنها تقع في قلب القارة الأوروبية، على حدودها من أحد جوانبها فرنسا، وعلى الحدود الأخرى ألمانيا، وعلى الجانب الثالث إيطاليا، وهم لا يتكلمون لغة واحدة ولكنهم مع هذا أمة واحدة، وإنما توحد بينهم الثقافة الحكيمة والنظام السياسي الرشيد، فتجمع من هذه الأجناس المتفرقة أمة متحدة متماسكة، ومصدر هذه القوة أن رعايا الجمهورية متساوون في حقوق الانتخاب المباشر، وهي إذا نظرنا إليها من الوجهة الدولية أول أمة ساوت بين رعاياها في تلك الحقوق، وهذه قدوة مثلى في الوطنية.

فلنفرض الآن أن قبائل الصين جميعا تمت وحدتها وخرجت منها أمة متماسكة، فليس هذا كافيا لتحقيق الغاية المنشودة؛ إذ لا تزال ثمة شعوب تعاني الإجحاف في المعاملة، ومن واجب أبناء الصين أن يتكلفوا برفع هذا الإجحاف وبسط يد المعونة إلى تلك الشعوب لضمها إلى الراية الوطنية الشاملة، وجدير بالإنصاف أن نتيح لهم فرصة الشعور بمساواة الإنسان للإنسان، وبالموقف العادل من الوجهة الدولية كما عبر عنه الرئيس ويلسون فيما سماه تقرير المصير، وما لم نبلغ بأمتنا هذا المبلغ لا نعتبر مهمتنا منجزة. فكل من أراد الانتماء إلى الصين وجب أن يحسب من صميم الصينيين، وذلك هو معنى الوطنية أو القومية، فهي القومية الإيجابية وينبغي أن نؤكدها بهذا المعنى.

أما الديمقراطية، فقد ذكرت الساعة أن الديمقراطية قد استوفت طورها الأعلى في سويسرة، إلا أنني أبادر فأقول: إن نظام التمثيل هناك لا يطابق الديمقراطية على أصحها، وإنما تصح الديمقراطية بحق الفرد المباشر. وقد نشبت ثورات عدة في فرنسا وأمريكا وإنجلترا تولد منها نظام التمثيل القائم بين تلك الأمم، ولكنه مع هذا لا يعني الحق المباشر على السواء لجميع المواطنين كما نعنيه ونجاهد في سبيله، وإنما الجوهري من هذه الحقوق جميعا حق الانتخاب لكل مواطن وحق العزل الذي يخول الشعب بعد انتخاب موظفيه أن ينحيهم عن العمل حين يشاء، وحق الاستفتاء الذي يخول الشعب أن يرفض كل قانون تصدره الهيئة التشريعية مخالفا لرغباته، وحق الاقتراح الذي يخوله أن يقدم إلى الهيئة التشريعية مسودات من القوانين يستحسن إصدارها.

فهذه الحقوق الأساسية الأربعة هي قوام ما أسميه بالحق الانتخابي المباشر.

Halaman tidak diketahui