ويلي ذلك كلام عن قواعد الاتفاق على مسائل السكك الحديدية، ثم وعد قاطع بأن الحكومة الروسية لا تعمل على استقلال جزء من أجزاء الصين، وإشارة خاصة إلى أقاليم منغوليا وما جاورها. •••
والسياسة العملية التي توخاها الزعيم بهذا البيان هي إغراء الدول بهذه القدوة، وجلاء الحقيقة عن موقفه من الدعوة الشيوعية، ودرء المخاوف الباطلة داخلا وخارجا من نيات الحكومة الوطنية أو حكومة الثورة كما كانوا يسمونها. ولخص علاقاته الدولية بكلمتين: كلمة عن علاقته بالروس وهي «صداقة روسية ولا شيوعية» وكلمة عن علاقته بالدول الغربية وهي «عصرية ولا غربية» أو تجديد ولا تغريب
Modernisation and no Westernisation
وتجمعها في كلمة واحدة: وهي المحافظة على كيان الصين، ويريد بذلك كيانها الروحي فلا تفرط في ميراثها العريق من أجل الحضارة الحديثة، وكيانها السياسي فلا تشوبه دعاوى الدول ولا تقيده المعاهدات الجائرة.
وفي يوم المؤتمر العام الذي دعا إليه أعضاء حزبه بعد إعلان خطته نحو الدول دخل عليه كبار أعوانه في حجرته، قبل انعقاد المؤتمر، فرأوه مستغرقا في خريطة كبيرة يمثل عليها رسما بيانيا لسياسة الأحزاب والجماعات ... وكان هذا الرسم هو صورة دائرة كبيرة يدور محيطها على حلقات صغيرة، كتب على بعضها كلمات الاشتراكية والديمقراطية والشيوعية ورأس المال والماركسية، وترك بعضها بغير كتابة، فسألهم: ماذا تريدون أن تكتبوا في هذه الحلقات؟ اكتبوا ما تشاءون من الأزمات
Ismisms ؛ أي من عناوين المذاهب التي تنتهي في اللغات الإفرنجية بهذه الحروف، ولا يهم ما تكتبون ما دامت هذه الدائرة الكبرى محيطة بجميع الحلقات، وهي دائرة الوطنية الشاملة.
وعلم كل من يعامله من الوطنيين والأجانب أن المحافظة على كيان الصين هي القاعدة الراسخة التي لا هوادة فيها.
سعى إليه السفراء الرسميون وغير الرسميين من قبل الدول يزينون له الاستقلال بما في حوزته، ويعدونه أن تعترف الدول باستقلاله على أثر اعترافه بحكومة بكين، فلم يعن بالجواب على هذه المساومة، أو كان جوابه عليها مطالبة الدول بالكف عن التعرض لشئون الصين الداخلية سواء كانت خاصة بحكومة الشمال أو حكومة الجنوب.
وطالب الدول بالتخلي عن الجمارك في كانتون فلم تحفل بطلبه، وظنته «لجاجة شرقية» تبتدئ وتنتهي بالكلام. فاحتل الجمارك وأخذ في تحصيل الرسوم على البضائع الواردة، فلم يكد المندوبون الدوليون يصدقون أعينهم وهددوا بالمحاصرة واتبعوا التهديد بتسيير السفن الحربية وإنزال الجنود فيها، ونزلت الجنود فعلا فأنذرهم في اليوم الذي نزلت فيه إلى البر ليزيدن الرسوم الجمركية أو ترجع إلى مراكبها، واضطرت الدول إلى تغطية هذه المظاهرة والتفاهم على شروط جديدة لتحصيل الرسوم ونظام الاستيراد.
وأحست حكومة الشمال أنها تفقد «شعبيا» كلما كسبت «دوليا» من مجاراة المطامع الأجنبية، وأنها لا تأمن على وجودها طويلا إن لم تصطنع مجاراة الأمة مع مجاراة الدول الكبرى، فأصدرت (في سنة 1923) دستورا عصريا مستمدا من الدستور الفرنسي وبعض الدساتير الأوروبية الحديثة، وتخيرت فيه أرقى النظريات النيابية عسى أن تتقرب به إلى طوائف المجددين من أبناء الشمال وأبناء الجنوب، فلم يلبث هذا الدستور أن طوي قبل نشره وتطبيقه، لقيامه على أساس ينكره سن ياتسن ويعتبره مناقضا لقاعدة المحافظة على كيان الصين، وذاك هو أساس الحكومات الفدرالية، وظاهرها حسن مطابق للنظام الأمريكي الذي ارتضاه جمهرة من الناشئين المتخرجين من الجامعات الأمريكية، وباطنها سيئ يرمي إلى المساومة بين حكام بكين وحكام الولايات الطامعين في الاستقلال باسم الوحدة الفدرالية.
Halaman tidak diketahui