قال الراهب: كلا، وقد ذكرت لسموكم آنفا أنني لم آت لأخاصم أحدا أو أدخل في مساجلة مع أحد.
قال الأمير: لست أعنيك، ولكنني أقول هذا وأقول أيضا: إن كتابكم ينهى الإنسان أن يحيد عن العدل طلبا للمنفعة.
قال الأب: إنني لا أطلب مالا، وقد أبيت أن آخذ شيئا مما أعطيت ... وشهد كاتب من كتاب الأمير كان حاضرا بأنني رددت قضيبا من الفضة وثوبا من الحرير.
فعاد الخان يقول: ليس كلامي عنك، ولكنني أتكلم عن أناس يتلون الكتاب ويخالفونه، ونحن أعطينا الكهان والسحرة ولا نخالف ما يوحى إليهم.
ومن طريف ما يروى أن هذا الراهب كان يتحدث إلى رجل من حاشية الخان فقال له: هذه إرادة السماء، فقال خادم الأمير: وهل صعدت إلى السماء؟ وكان يظن أن المتحدث عن السماء ينبغي أن يتصل بها كاتصال كهانهم وسحرتهم، ولا حجاب دون السماء. •••
أما عادات أهل الصين وأخلاقهم فيما عدا هذه العاطفة العامة - عاطفة الدين - فالتخصيص فيها يتطلب كثيرا من الأناة.
إذ يقال في بعض الأحوال عن خلق نادر أو شائع: إنه من أخلاق أهل الصين فإذا هو من الأخلاق الإنسانية التي تتماثل في جميع الأمم، ويجب أن نوطن النفس على تكرار جميع الأخلاق الإنسانية في أمة بلغت أول القرن العشرين أكثر من أربعمائة مليون، وبلغت في القرون الغابرة عشرات الملايين حين كانت أكبر الأمم لا تزيد على بضعة ملايين، فمن المتعذر جدا أن يوجد خلق إنساني لا يظهر في هذه الأمة ولا يتكرر فيها، وكل خلق يسبق إلى الذهن أنه خاص بها لا يلبث بعد البحث أن تظهر له مشابهات كثيرة في غيرها.
إنما تتخصص في هذه الأمة وأمثالها عادات الاجتماع دون عادات الطباع.
ففيها مثلا عادة حبس قدمي البنت منذ الطفولة الباكرة، وعادة الإزراء بالجندية على خلاف المعهود في الأمم القديمة، وعادة التخاطب بالعبارات المصطلح عليها مما يشبه القوالب المحفوظة.
وهذه وما شابهها جميعا ترجع إلى أحوال المجتمع الصيني التي يجوز أن يتخصص فيها بموافقات لا تعم سائر المجتمعات.
Halaman tidak diketahui