فضحكت أكثر من المنتظر، ثم سألته جادة: من الإسكندرية؟ - كلا. - إذن فأنت موظف هنا؟! - تقريبا. - تقريبا؟!
فهتف بها: أنت وكيلة نيابة .. هيا!
وطلبت أجرتها فأعطاها، وكانت دون ما قدر بكثير، فرق لها لأول مرة منذ استيقاظه، وغادرا الشقة معا، ثم افترقا عند مدخل العمارة، وقصد من توه مطعما ليشبع جوعه.
ودخل أول سينما صادفته ليمضي الفترة ما بين الثالثة والسادسة، ثم جلس في التريانون الكبير يشرب القهوة ويطالع جريدة المساء، وحوالي التاسعة مضى إلى مجلسه المعتم بطرقة التريانون الصغير، استمع إلى الموسيقى وتسلى بمشاهدة الراقصين، وشرب من الكونياك حتى انتشى، وفي لحظة ما تمنى لو يرتفع صوت رجل الأمس من وراء الشجر ليسب الدنيا، وقال مخاطبا سمير عبد الباقي: أنا أيضا طالب تصوف، لا أنت وحدك.
وابتسم في رثاء، ثم قال مخاطبا نفسه: لا تفكر في المستقبل. - أجل أنت ما زلت في شهر العسل، ويلزمك فراغ طويل عريض. - ولا تحزن لتفاهتك، فهي تفاهة تاريخية.
وقبيل منتصف الليل بقليل غادر المحل. وهو يقترب من مدخل العمارة، رأى البنت جالسة في القهوة اليونانية على أقرب كرسي من مدخل العمارة، فحدق في وجهها المبتسم في ترحيب بدهشة، ونهضت بخفة لتلقاه أمام المدخل، فتوقف في حيرة، فقالت في مرح: لم تتأخر عن ميعادك!
وسبقته إلى الداخل، فتردد لحظة ثم تبعها متسائلا: ماذا تفعلين؟
فقالت وهي تتأبط ذراعه: كنت أنتظرك .. وقلت لنفسي سيكون من حسن حظي إذا جاء وحيدا.
ورغم إدراكه القاسي للموقف، ارتاح لتملقها، وفي المصعد سألها: ما اسمك؟ - ريري.
ضاحكا: يبدو أنه اسم طنطاوي قح! - هو كذلك في الإسكندرية.
Halaman tidak diketahui