Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Genre-genre
وقد قال الحاكم العام منوها بعمل سرب الطيران في هذا الحادث: إنه أدى مهمته بمنتهى الكفاية والسرعة، ولكن الدروس التي تؤخذ من هذا العمل لا تزال هي الدروس نفسها التي سبق وصفها في رسالته؛ إذ لم يتحقق هل أتى تعاون سلاح الطيران في ذلك العمل بأية نتائج سريعة مباشرة، وإن تأثيره المعنوي كان هو وحده المحقق الذي لا شك فيه، وكان خليقا بأن يصبح عاملا له خطره وقيمته في الموقف بإزاء الثوار المتمردين.
أما العمليات الحربية الأخرى التي استعين فيها بسرب الطيران عقب قدومه إلى السودان، فقد كانت موجهة أيضا إلى جزء آخر من قبائل النوير قتلوا بتحريض بعض زعماء الكبتن فرجسون مفتش المركز، وأدى قتله إلى فتنة عامة وتمرد بين العشائر الأخرى في القبيلة، وإن كان المرجح أن التمرد لم يكن مقصودا لذاته، بل كان لمجرد التخلص من ضابط كان لمعرفته الواسعة بالمركز وسكانه من المحتمل كثيرا أن يحرج زعيم القبيلة ويعمل على مضايقته.
وقد ظن الثوار أنهم بالانسحاب إلى مستنقعات إقليمهم سيحتمون احتماء تاما من عقاب الحكومة وتأديبها، ولهذا جاءت غارة سلاح الطيران عليهم وهم في عقر ديارهم مفاجأة تامة مؤلمة: فقد حاصرتهم القوات البرية وحاصرت ماشيتهم وأنعامهم، وراحت الطائرات في الوقت نفسه تصب عليهم مدرار قنابلها، فلم ينقض يومان على هذه الحال أو ثلاثة حتى تحطم روحهم المعنوي كل التحطم، وأدركوا أن ما نزل بماشيتهم كان عقابا لهم عما جنته أيديهم وجزاء على طيشهم. وكل هذا بفضل تعاون سلاح الطيران، فهو الذي يقبل عقاب العصاة سريعا ومثمرا.
ولكن الطائرات - كما أشار الحاكم العام وبين في شرحه - اتخذت من الثوار هدفا عاما، بينما راحت البيادة تتصيدهم في المستنقعات، ولولا ذلك لما كان إلى الوصول إليهم من سبيل.
وفي ذلك يقول الحاكم العام ما نصه:
ولم يكن هذا الهدف واضحا فقط للطائرات، لكنه كان هدفا من عناصر قبيلية لا يكون قذفها بالقنابل وهي حاشدة باعثا على وخز الضمير؛ إذ كانت الضرورة تقضي بأن يكون العقاب سريعا وصارما لأولئك الذين اشتركوا في جريمة قتل ضابط بريطاني أو كانت راضية عن هذا الجرم مشتركة فيه بالشعور. ا.ه.
اللورد جورج لويد المندوب السامي البريطاني الأسبق لمصر والسودان من 1925-1929.
هوامش
الفصل الحادي والعشرون
النيل يوحد بين مصر والسودان
Halaman tidak diketahui