260

Sudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Genre-genre

32075000 (12) سلاح الطيران في السودان

قال لورد لويد المندوب السامي البريطاني الأسبق في كتابه:

والسودان مثلا طريق جوي كثيرا ما اجتازته الطائرات؛ فإذا ما ارتقت وسائل النقل الجوي فمن المحتم أن يصبح السودان طريقا ثابتا متصل الحلقات للنقل الجوي، وإلى اليوم ظل السودان يناهض فكرة استخدام سلاح الطيران كوسيلة رئيسية من وسائل الدفاع وإقرار السلام في ربوعه، وهي الفكرة التي قامت لتأييدها حجج واعتبارات قوية جدية، فقد اقترح قبل الآن استخدام هذا السلاح باعتباره وسيلة ميسورة يتسنى بها القيام بكل ما تؤديه القوات البرية بكفاءة أكبر وأكثر صلاحية، كما يمكن ربطه بأعمال الإدارة المدنية ربطا محكما وثيق الحلقات. ولكن إلى الآن ظلت هذه المشروعات والاقتراحات تجد اعتراضا؛ لأنه وإن كان العمل الذي يؤديه سلاح الطيران في بلاد مثل السودان هو في الواقع كبير القيمة خطير الشأن فلا ينبغي مع ذلك الغلو في تقدير قيمته؛ إذ هو مهما قيل في مدح مزاياه لا يزال أداة مساعدة للقوات البرية.

وقد شرح الحاكم العام للسودان هذه النقطة شرحا حسنا في رسالة له كان من واجبي أن أبعث بها إلى وزير الخارجية، وفيها وصف الوجه الصحيح من استخدام سلاح الطيران قائلا:

لو أن لنا سلاح طيران كافيا صالحا في الخرطوم، ومعدات برية تناسبه في مواضع متعددة منتشرة، لحملنا هذا على أن نعتقد أن المهدوية أولا، وهي ذلك الخطر الشديد، وإن ظل هاجعا كامنا، لن تستطيع اكتساحنا من جهة الغرب إذ يمكننا في هذه الحالة أن نحطم مراكز تجمعها ونشتت شملها، وهي في أثناء تعبئتها في مخافرها النائية، فلا تقع في المستقبل نكبات كالتي وقعت لحملة هيكس باشا ولبيكر باشا في سنة 80، ولا يكون حصار كحصار الخرطوم؛ إذ يصبح من المستحيل بفضل عيون سلاح الطيران وأرصاده وأسلحته تكرار تلك المجازر والجوائح التي كانت تقترفها تلك القبائل المتهوسة في الدين، كما تصبح المسائل المتعلقة بالدفاع الداخلي سهلة بسيطة.

وثانيا: إن الطبقات الصغيرة من الشباب المتعلم في الخرطوم وأم درمان والمدن الأخرى التي أقل منها شأنا أولئك الذين أعاروا آذانهم فيما مضى لمروجي الفتنة من المصريين يدركون غدا بذكائهم مبلغ ما يستطيع سلاح الطيران أن يفعله. فإن التأثير الذي يحدثه هذا السلاح في عقول هذه الطبقة من الأهلين هو إلى حد كبير من أفضل مزاياه وأعماله في سبيل إقرار الحالة السياسية وتوطيدها.

وثالثا: إن الحاميات النائية التي تتألف منها قوة الدفاع عن السودان تصبح مرتبطة الأجزاء متصلة اتصالا وثيقا بمركز الرياسة العامة والعالم الخارجي بهذه الوسيلة السريعة من وسائل المواصلات، ويصبح خطر النزعات الثورية وانتقاض الجنود السودانية على النظام قليلا ما أمكن.

ورابعا: أن يكون سلاح الطيران في جميع الطوارئ الشديدة والأزمات الفجائية الجسيمة هو الوسيلة السريعة للاتصال والتحري والتحقيق، وبذلك يتيسر اتخاذ التدابير العاجلة.

وقد استطرد الحاكم العام بعد هذا في رسالته مبينا أن مشكلة الإدارة الملكية - أي المدنية - في مناطق السودان النائية التي لا يزال أهلها في شبه جاهلية أو همجية هي من صعاب المشاكل وأكثرها تعقدا وأدعاها إلى الأخذ بمنتهى الحذر والتبصر واللباقة والكياسة في تناولها؛ إذ كلما كانت تقوم المتاعب فيما مضى ببعض تلك المناطق كان الأمر يقتضي معالجتها برا بإيفاد قوة استكشافية تعمل بحذر ودقة على أمل الاتصال بالثائرين لإقرار صلات حسن التفاهم بين الحكومة وبينهم لكي يمكن بذلك توثيق الروابط الحسنة من البداية، ولهذا الاعتبار الخطير ينبغي للسلطات أن تتوخى اختيار أهدافها وأغراضها، وأن تستخدم سلاح المشاة في الملاحم البرية.

وقد استطاع الحاكم العام أن يصور حججه ووجوه نظره أحسن التصوير من المشاهدات الأخيرة والتجارب الفعلية، فقد حدث أن سرب الطيارات الذي أنشئ أخيرا على سبيل التجربة وجعل مركزه الخرطوم لم يلبث عقب وصوله أن كلف الاشتراك في عمليتين من العمليات الحربية تختلف إحداهما عن الأخرى وإن كانت كل واحدة منهما من نوع الأعمال الحربية التي كثيرا ما يقتضي الأمر من الحكومة معالجتها، فقد حدث في مديرية أعالي النيل أن مشعوذا يحترف الطب بالسحر وهو من قبيلة اللاونوير ويدعى «جويك وندنج» دأب عاما كاملا على إظهار العداء للحكومة وتحديها والمجاهرة بالاستخفاف بسلطتها فترة طويلة حتى أصبح يخشى أن تسري عدواه إلى سائر أفراد القبيلة، ولم تفلح مساعي المفتش في الاتصال بذلك الرجل وحمله بالمسالمة على الكف عن موقفه العدائي، فاضطر الأمر في هذه الحالة إلى وجوب الالتجاء إلى تدابير عسكرية حياله، ففي 13 ديسمبر سنة 1927 جاءت التقارير تفيد بأن أتباع هذا الساحر المتطبب المتمرد على الحكومة يبلغون أربعة آلاف نفس، وأن بعض الجماعات المعادية منهم يقيمون بجوار قرية تدعى نيرول، وأن القوة العسكرية التابعة للحكومة قد عسكرت بتلك القرية في 15 ديسمبر، وقد قامت الطائرات بعدة غارات تمهيدية على سبيل الإرهاب فقط في مبدأ الأمر، ولكنها لم تلبث أن قامت بإلقاء القنابل على مراكز تجمع هذه الفصائل المعادية فحطمت مقاومتها المنظمة.

Halaman tidak diketahui