فمفترق جاران دارهما العمر
يظهر أن هذا الضحك نافعي، يجب أن نضحك كثيرا حتى نقابل جهومة الشيخوخة العتيدة، ونرعبها فترتد على أعقابها وتختفي علاماتها من أمام أعيننا.
ومذهبي الأخير - أقول الأخير الآن، فربما كان لي غدا مذهب غير هذا - هو أن أستهزئ بالموت. وإني لأعجب كيف يخاف الموت من لا يرى أمامه حقيقة ثابتة غيره! نعلم أننا ميتون، وإذا حصل الموت قمنا وقعدنا وتفجعنا كأنما قد حل بنا أمر غير منتظر ولا مقدر، فمن لي بمن يضحك ويقهقه يوم أتوارى؛ لتقر بذلك عيني وتطيب نفسي، كممثل هزلي يسدل عليه الستار بين تصفيق النظارة وعربدتهم الضاحكة؟ وهل الحياة غير رواية هزلية؟!
لا أتمنى على جسدي إلا أن يظل خادما أمينا لما خلق له، وإلا ينذرني قبل أن يخذلني، وإن كان لا بد من عمر طويل فأرضى أن أعيش ما ظللت قادرا على العمل ... ولو كنت واثقا من أنني أطالع وأكتب في دنياي الجديدة، لما طلبت المزيد من حياتي هذه، ولكنني أخشى أن يصح ما يقولون وأمسي وأصبح في جنة لا عمل فيها، من هذا خوفي لا من الموت.
يشغل بال البشرية تطويل العمر، أما أنا فأرى أن محاولة هذا التطويل تحول دون التمادي في العمل، والذي يستريح ليطيل عمره يكون قد قصره من حيث لا يدري؛ فالعمر الذي لا يملؤه العمل هو عمر أجوف كالقصبة. ولعل لي رأيا يخالف رأي غيري، فأنا لا أشغل نفسي بإصلاح ما بعد عني إلا بعدما أصلح ما قرب مني وأبدأ بنفسي؛ ولذلك أحاول دائما أن أنمي رأسمالي الأدبي لعلمي الأكيد أن ما يبنيه الاتفاق يهدمه الاستحقاق.
وأخيرا لست أدري إذا كنت أعربت عن مذهبي، ولكن من أين لي المذهب وأنا - كما قلت - تلك الكرة التي تتقاذفها يد القدر؟ ما قالت الناس عبثا «نحن في التقدير والله في التدبير.»
فليدبر ما شاء، وإذا حالت مشيئته دون مرامي فما في ذلك كبير شأن، ما زلنا نقول إنه ضابط الكل، ووسع كرسيه السموات والأرض.
التكوين الوطني
الأوطان كالأديان كلاهما محتاج إلى مؤمنين، ومؤمن واحد يتعالى إيمانه إلى منزلة اليقين لهو في محيطه كالشهاب الثاقب في الليلة اليتيمة، تنداح حوله دائرة إشعاع بسام تتغامز فيها النجوم الصغيرة وترتجف شفاهها من الشوق، إن كوكبا واحدا دريا يدحر ظلمة الليل، وكم في الوطن من ظلمات لا بد من تمزيقها!
العقائد، دينية ووطنية واجتماعية، تحتاج إلى مناضلين، والحياة تتمشى فيها كتمشيها في الأحياء والأشياء، تارة تسير ببطء وطورا بهجوم مفاجئ تبعا لأطوارها. والمؤمنون بالأوطان كالكريويات في الجسم، لا تدع العراك ولا تهدأ، وكما ينمو الجسم بما يتقد فيه من حرارة متفاعلة، كذلك تنمو الأوطان كلما تعاظمت حرارة الإيمان بها.
Halaman tidak diketahui