المرسلين!
وقد أراد الله تعالى أن يُبْطِلَ تَقْليدًا كان عليه أهل الجاهليّة، وهو تحريم تزوّج امرأة الّذي يدعى ابنًا، ولهذا قال الله في آية التحريم: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ... (٢٣)﴾ [النّساء] وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ... (٤)﴾ [الأحزاب] (^١) وقال: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ... (٤٠)﴾ [الأحزاب].
فما وقع للنَّبيِّ ﷺ كان بأمر من الله تعالى ليكون أدعى لقبولهم، ولذلك نزلت الآية الكريمة: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧)﴾ [الأحزاب].
والآيات فيها من الفوائد، مثل: التّسليم لأمر الله ورسوله ﷺ، وشدّة حياء النّبيّ ﷺ، وجواز عتاب الله تعالى لأنبيائه، وإكرام الله تعالى لزيد ﵁، فهو الوحيد الّذي ورد اسمه في القرآن من الصّحابة ﵃ وسيظلّ اسمه يقرأ آناء الليل وأطراف النّهار على ألسنة المؤمنين والمؤمنات، ومن الفوائد أنّ الله تعالى جعل زوجات النّبيّ ﷺ أمّهات المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ... (٦)﴾ [الأحزاب] ولم يجعلِ النَّبيَّ ﷺ أبا أحدٍ من المؤمنين، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ... (٤٠)﴾ [الأحزاب] وذلك لإبطال التَّبنِّي، وهناك فوائد أخرى يضيق المقام بها.
أمّا قول من قال: إنّ النَّبيَّ ﷺ أتى منزل زيد، فرأى زينب، فقال: " سبحان الله مقلّب القلوب! " فسمعت ذلك زينب، فذكرته لزيد، فعلم أنّها وقعت في قلبه، وأنَّهُ ذاكَرَهُ في ذلك؛ فنزلت الآية، واحتجّ بأنّ الحديث مبسوط في كتب أهل السّنّة، ومنها " الجواب