Stopping the Temptation: A Critical Study of the Instigators' Suspicions and the Trials of Jamal and Siffin According to the Methodology of the Muhaddithin
وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
Penerbit
دار عمار للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Lokasi Penerbit
عمان - المملكة الأردنية الهاشمية
Genre-genre
وأد الفتنة
دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفّين
على منهج المحدّثين
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
المملكة الأردنية الهاشمية
رقم الإيداع لدى دائرة المكتبة الوطنية (٩٤٠/ ٣/٢٠٠٩)
1 / 1
الشوابكة، أحمد محمود
وأد الفتنة: دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل
وصفين على منهج المحدثين/ أحمد محمود الشوابكة - عمان:
المؤلف، ٢٠٠٩.
(...) ص.
ر. أ.: (٩٤٠/ ٣/٢٠٠٩).
الواصفات: / التاريخ الإسلامي// الإسلام /
* أعدت دائرة المكتبة الوطنية بيانات الفهرسة والتصنيف الأولية
* يتحمل المؤلف كامل المسؤولية القانونية عن محتوى مصنفه ولا يعبّر هذا
المصنف عن رأي دائرة المكتبة الوطنية أو أي جهة حكومية أخرى.
دار عمار للنشر والتوزيع
عمان - ساحة الجامع الحسيني - سوق البتراءـ عمارة الحجيري
تلفاكس ٤٦٥٢٤٣٧ - ص. ب ٩٢١٦٩١ عمان ١١١٩٢ الأردن
E - mail: dar_ammar @ Hotmail.com
1 / 2
وأد الفتنة
دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفّين
على منهج المحدّثين
أحمد الشوابكة
تقديم ومراجعة
أ. د محمود السرطاوي ... أ. د أحمد نوفل ... أ. د محمد العمري
أستاذ الفقه المقارن في ... أستاذ التفسير والدراسات القرآنية ... أستاذ الحديث وعلومه
الجامعة الأردنية ... في جامعتي اليرموك والأردنية ... عميد كلية الشريعة في
جامعة اليرموك
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى من أوصاني ربّي بهما خيرًا، فقال:
﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)﴾ [الإسراء].
إلى من أسأل ربّي لهما خيرًا، فأقول:
﴿رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾ [الإسراء].
أهدي هذا الكتاب المتواضع، والمؤلَّف الوادع.
ابنكما البارّ
الغَنيّ بالفقر إلى الله
أحمد محمود خليل الشّوابكة
أبو عبيدة
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
أ. د محمود السّرطاوي
الحمدُ لله حمدًا يكافئُ نعمه ويوافي مزيده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأصلِّي وأسلِّم على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه والتَّابعين بإحسان إلى يوم الدِّين وبعد:
فقد رَغِبَ إليَّ الأخُ العزيز أحمد الشوابكة أن أقدِّم لكتابه (وأد الفتنة) فعشتُ مع الكتاب أقلّبُ صفحاته وأقرأ ما بين سطوره فترةً من الزمن، وكلَّما قرأتُ موضوعًا راودتني نفسي بالرُّجوع مرةً أخرى إلى ما قرأت للوقوفِ على مصادرِ البحث؛ فقد قرأتُ في كتابه ما لم تألف الأذنُ سماعه من مصادرَ كثيرة وفي مجالس علمٍ عديدة، الأمر الذي رأيته يستحق الوقوفَ عنده والتأكدَ من ثبتِ مراجعه، فألفيتُ المؤلّف - جزاه الله خيرًا - غوَّاصًا في بحرٍ لجيّ من الرّوايات التَّاريخيَّة، لا يغترف منها إلا بقدر ما صحّ من أسانيدها، ولا يقبل منها إلا أعلاها سندًا؛ ينفي بها كلَّ خَبثٍ أُلصِقَ بتاريخ الصَّدر الأوَّل من هذه الأمَّة، ينافحُ بالأدلّة الدَّامغة من القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة والحجج القويَّة، لا يتعصبُ لرأيٍ ولا ينحازُ لفئة إلا لرسول الله - ﷺ - وصحبه الكرام ﵃ وأرضاهم ـ.
ولم يكن مبتدعًا لهذا المنهج، وإنما كان متَّبعًا لمنهج أهل الحديث ينفي بكورهم كلَّ خَبَثٍ أوردته كتب التَّاريخ التي تسردُ الرّوايات والقصصَ من غير تمحيص ولا تدقيق، فاستغلَّ هذه الرِّوايات مَنْ في قلوبهم مرض، فاتَّبعوا الشُّبهات وحاولوا النَّيل من المرضيين والمرضيَّات، والطّيبين والطيّبات من أمَّهات المؤمنين وصحابة الرّسول الكريم - ﷺ ـ.
وايم الله إنَّ هذا من وسائل حفظ الدِّين أنْ قيَّضَ الله رجالًا يواصلون الليل مع النَّهار
1 / 5
في البحث والدّراسة والتَّنقيب؛ بيانًا للحق وكشفًا للزيغ والبطلان، وأيُّ عمل أشرف وأنبل مقصدًا من ردِّ الشُّبهات، الّتي ظنَّ قائلوها بأنَّهم قد ظفروا بما يحقّق مبتغاهم ممّا أوحت به إليهم شياطينهم؟! لقد جاء هذا الكتاب بسهام مسدَّدة فأصابتهم في مقتل، وأغنت الكثيرين من عناء البحث والتنقيب عن الإجابات الشَّافية الوافية عن تلكم الشُّبهات وردّ الرّوايات المكذوبة والضَّعيفة بأسلوبٍ علميّ لا يختلفُ عليه اثنان من أهل العلم الّذين يبحثون عن الحقيقة.
لقد ناقش الباحث الفتنة التي ثارت زمن الصَّحابة بما عُرف بمعركة الجمل ومعركة صفين، كما ذكر طرفًا من سير الصَّحابة الّذين أُثيرت حولهم بعض الشّبهات، وبيَّن فضلهم وما ورد فيهم من أحاديث صحيحة توجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يكفَّ لسانه عن الولوغ في أعراضهم أو التَّشكيك في عدالتهم.
ولم يكتفِ الباحثُ بهذا وإنما تناولَ في كتابه طرفًا من سيرة المصطفى - ﷺ - ووجوب محبَّته وآل بيته ومحبَّة أصحابه من المهاجرينَ والأنصار وجعلها في أول كتابه تيمنًا وبركة، كما تناول في كتابه حُكْمَ من آذى رسول الله - ﷺ - أو استهزأ به أو سبَّه، أو استهزأ بصحابته الكرام، ثم ذكر طرفًا ممَّا نال النَّبيَّ - ﷺ - من أذى المشركين والمنافقين تمهيدًا للحديث عمّا تعرض إليه النبيُّ - ﷺ - من الأذى والاستهزاء في زماننا من الكفَّار والمنافقين، وكلُّ هذا لا يُنقص من قدره - ﷺ ـ، وإنَّما يزيده تشريفًا وتكريمًا، وعرَّج الباحث على ما ينبغي للأنبياء من العصمة وأجاب عن كثيرٍ من الشُّبهات التي أثارها المستشرقون ممَّا أوقعهم في وهْمٍ ينافي عصمة الأنبياء عامَّة وسيِّدنا محمّد - ﷺ - خاصَّة.
لقد طوَّف بنا الباحثُ في ميادينَ كثيرة جمعها في سلكٍ واحد سمَّاه " وأد الفتنة: دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفّين على منهج المحدِّثين " في ثوب قشيبٍ من اللغة العذبة وحسن البيان وعدم وعورة الألفاظ.
وجاءت هذه الدِّراسة في زمن أحوج ما يكون القارئ والشَّباب المسلم إليه؛ حرصًا على جمعِ الكلمة ونبذ الفرقة والتَّعصب وتمسُّكًا بالكتابِ الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، فجزى
1 / 6
الله المؤلّف خيرَ الجزاء وأثابه على صنيعه خيرًا ونفعَ به من قرأه آمين.
أ. د محمود علي السرطاوي
أستاذ الفقه المقارن في كليَّة الشَّريعة
الجامعة الأردنية
عمان ٢٤/ صفر / ١٤٣٠ هـ
الموافق ٢٠/ ٢ / ٢٠٠٩ م
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
أ. د أحمد نوفل
أكتبُ هذه الكلمات في اليوم التّالي لمولد النَّبيِّ - ﷺ - أي في الثّالث عشر من ربيع الثّاني لعام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة، لأقدّم لكتاب الأخ الباحث أحمد الشّوابكة، بعنوان (وأد الفتنة) تعرّض فيه لسيرة النّبيّ - ﷺ - كجزءٍ من بحثه في نقد شُبهات المُرجفين.
وقد كنتُ قدّمت للأخ الباحثِ كتابًا من قبل بعنوان (قصّة يوسف ﵇ في القرآن الكريم) وتنبّأتُ له بمستقبل طيّب في البحث العلميّ وثمر طيّب في غد قريب، وهاهو الثّمر يزداد نضجًا، واللغة تزداد إشراقًا وتألّقًا، والفكر يزداد عمقًا، فضلًا عن التّوثيق العلميّ الأصيل، والبحث الدؤوب عن الحقيقة، كلّ ذلك مع الغيرة على الدّين والحرص على نصرة سيّد المرسلين وأمّته وتاريخ هذه الأمّة، والذَّبِّ عن حياض المسلمين ورموزهم.
لقد رَجَعَ الأخُ الباحثُ إلى أزيد من مائتي مرجع في بحثه العلميّ النّاضج هذا، ومع البحث المتقن والتّوثيق المُحْكم فهمٌ سديدٌ، فما كلُّ من قرأ أدرك المعنى، وفهم المقصدَ والمرمى، واستوعبَ الغاية والمغزى، لكنّ كاتبنا متمرّس ضابط متقن مُجدّ مُجيد، وله في طريقة المحدّثين باع وذراع، وما كلّ أحد يطيق هذا الدّرس المتأنّي الممحّص الدّارس للأسانيد، النّاقد للمتون.
وتاريخنا عظيم مجيد، لكنّه لا يخلو من أخطاء تَعْتَوِرُه، فنحنُ أمّة من البشر، والخطأ منّا متوقّع، وهو ردٌّ علينا، لا يحمل وزره دينُنا، ولا نحمّل خطايانا لسوانا، أضف إليه أنّ تاريخنا تعرّض لتشويه متقصّد متعمّد، وهنا يأتي جهدُ الباحثين الغيورين، وأحسب أنّ الأخ أحمد في
1 / 8
بحثه هذا قد أوفى على الغاية، وبلغ المطلوب في التّسلّح بالعلم، والتّمكن من أدواته، فجاء دفاعًا متوازنًا، ليس فيه شطط، ولا إفراط ولا تفريط، بل اتّزان وهدوء العلماء، وحجّة المتمكّن، كما هو شأن المسلم المؤهّل المُعَدّ المُعِدّ العُدّة.
بارك الله جهدَ الأخ الباحث، ووفّقه لخدمة دينه وسيرة نبيّه وأصحابه وتاريخ أمّته ضد هجمات المغرضين والمتعصّبين والحاقدين أجمعين.
ونَصْرُ الدّين بالحجّة من أعظم أوجه النّصر، أما قرأتَ قول الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)﴾ [الأنعام].
سخّرنا الله جميعًا لخدمة هذا الدّين ودعوته، والحمد لله ربّ العالمين وسلام على المرسلين.
أ. د أحمد نوفل
أستاذ التفسير والدّراسات القرآنية
في جامعتي اليرموك والأردنية
١٣ / ربيع الثّاني / ١٤٣٠ هـ
الموافق ١٠/ ٣ / ٢٠٠٩ م
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
أ. د محمّد العمري
بسم الله والحَمْدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد دفع إليَّ الأستاذ أحمد الشوابكة بهذا الكتاب الموسوم بوأد الفتنة بهدف الاطِّلاع على ما فيه، وإني إذ أقدِّر له هذا أقولُ وبالله التوفيق:
إنَّ هذا الكتابَ قد تناولَ موضوعًا هامًّا ربَّما كانَ البحثُ فيه وبهذا القدر من الجدّة في هذه الأيام أكثرَ حاجة وإلحاحًا، وأعني بذلك دراسة واقع الفتنة التي حَصَلتْ في صدر الإسلام زمن سيدنا عثمان ﵁ وأرضاه ـ.
وإنْ كانت مثل هذه الدِّراسات هي أشبه ما تكون بمعالجة لجملة من القضايا التَّاريخيَّة من حيث كونها تمثِّلُ جملةً من المغالطات التَّاريخيَّة مضمونًا وتناولًا من حيث المنهج، فشكَّلت بذلك جملة من الشُّبهات التي تركت أبْعدَ الأثر في نفوس كثيرين ممَّن لا يعرفون حقيقة واقع المسلمين في الصدر الأول من حيث: طبيعة الصَّحابة الكرام، وصلابة الإيمان آنذاك، وحجم الهجمة الشرسة على دولة الإسلام، والحرص الشديد على الكيد لها. فما كان من مثل هؤلاء إلا الاستجابة والقبول، بل وتمكن الرِّيبة من نفوسهم؛ فباتوا أبوابَ شَكٍّ ومفاتيحَ فتنة في كلِّ زمان ومكان، في وقت ما ازداد المؤمنون إلا إيمانًا مع ما رافق ذلك من حسن الظنّ بأصحاب النَّبيِّ - ﷺ - دون تمييز وإن تمايز الصَّحابة في مجال البذل والعطاء، وأنَّ ما تمَّ بينهم من وجوه الخلاف إنَّما كان منشؤه الاجتهاد بحثًا عن الحقِّ، فهم على كلِّ أحوالهم مأجورون بحسن
1 / 10
نواياهم.
لقد عالج الأخُ الباحثُ موضوع الفتنة من خلال دراسة منهجيَّة لواقع الرِّوايات التَّاريخيَّة، ومعلوم أن كثيرًا ممَّن كتبوا التَّاريخ أو نقلوه هم محلُّ نظر، ولذلك فقد اتّفق علماءُ الإسلام على أنَّ كاتبَ التَّاريخ ينبغي أنْ يتمتعَ بأكبر قدْر من الصَّلاح والتُّقى، وحسن الفهم والبصر في الأمور، والقدرة النافذة على التَّحليل، والمعرفة التامة بالعربية وأساليبها حال تناول الكتابة في التَّاريخ حتّى لا يكون الكلامُ حمَّالَ أوجه، وخاصة فيما يتعلَّق بذكر الحقائق وتناول عظائم الأمور.
وكلُّ المشتغلين بالتَّاريخ يشعرونَ بالحاجة إلى ضرورة كتابة التَّاريخ، ولكن كيف؟! هذا ما حاولَ الأخُ الباحثُ أنْ يَجْتهدَ فيه - وليس هو الأوَّل في ذلك - حيث حاولَ أنْ يُعيْدَ النَّظر في الرِّوايات التَّاريخيَّة وفق منهج المحدِّثين باعتبارهم أوَّل من وضع القواعدَ والضَّوابطَ في مجال توثيق النُّصوص، وهي قواعد غاية في الدِّقَّة والإتقان، وتكفل الوصول إلى السَّلامة أو أقرب ما يكون. وإن كان لا بُدَّ من التَّعامل وفق تلكَ القواعد بقدر من المرونة إذ يَصْعُبُ التعاملُ مع الرِّواية التَّاريخية بذات القدر من الصَّرامة مع النّصوص التّاريخيّة.
إن ممَّا يُشْكرُ عليه الأخ الباحث أنّ هذه الدّراسة كشفتْ عن أن جُلَّ الرِّوايات في الفتنة وما قيل في شأن كثير من الصَّحابة لا سبيل إلى القبول به؛ إذ لم يتوفَّرْ في الرُّواة أدنى درجات الرِّضا والقبول، فضعَّف بذلك تلك الرِّوايات التي تشكّك في مواقف الصَّحابة الكرام، وأنَّ ما بدا من بعضهم من رأيٍ أو فِعْلٍ إنما كانَ باعثه إحقاقَ الحقِّ وإبطالَ الباطل وإن اختلفتْ وجهات النَّظر فيه.
لقد أحسن الباحث كثيرًا فقد كان النص القرآني ماثلًا بين يديه، فاعتمده اعتمادًا كبيرًا وزيَّن به صفحاتِ هذا الكتاب، إضافة إلى لغَة سليمة دالّة معبّرة تتناسبُ تمامًا مع موضوع البحث، مع قراءة واعية للنّص بكل أنواعه تدلُّ على سلامة فهم وتحليل، وعناية واضحة بالسِّياق وأسباب النُّزول والورود للأحاديث.
وكذلك كانت محاولاتُه لتفسير النُّصوص وربط بعضها ببعض والاستفادة من ضوابط
1 / 11
فهم النُّصوص واضحةً، مكنته من طرح قضايا الكتاب بشكل يَنْسجمُ انسجامًا موافقًا للمنطق وبناء المقدِّمات ثم النَّتائج.
كما وكان من اللافت للنَّظر أيضًا تلك الغيرة على الإسلام وتوكيد فضل الصَّحابة الكرام بعيدًا عن العاطفة ودون غلو أو تجاوز، مع سعة اطّلاع وعودة أمينة للمصادر والمراجع الأمر الذي يؤكِّدُ جودةَ هذا الكتاب وما فيه، راجيًا للأخ الباحث المزيد من التَّوفيق في مستقبل أعماله.
أ. د محمّد العمري
أستاذ الحديث وعلومه
عميد كلية الشريعة قي جامعة اليرموك
١٢/ صفر/ ١٤٣٠ هـ
الموافق ٨/ ٢/٢٠٠٩ م
1 / 12
بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على سيِّدنا محمَّد خاتم النَّبيِّين وآخر المرسلين، وعلى أصحابه الأكرمين، وأزواجه أمّهات المؤمنين، وأتباعه الفاضلين الطَّيبين، وبعد:
قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥)﴾ [التوبة].
لا يَحْزُنْكَ تشنيع جاهل، أو نقص مُتَهوِّكٍ، أو شنآن قوم لشخص النَّبيِّ محمَّد - ﷺ ـ؛ فهؤلاء إنما اشتغلوا بدعاوى باطلة تَمجُّها القلوبُ السَّليمةُ، وظواهر من العلم موضوعة، طلبًا لعرض الدنيا، أو علو الصّيت، أو رغبة في الثّناء، أو مغالبة الأقران والنُّظراء، أو حسدًا من عند أنفسهم ﴿لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ... (١٥٦)﴾ [آل عمران]، ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ... (١٦٧)﴾ [البقرة].
رسولَ الله، سلامٌ عليك ما سَجَى ليلٌ وتجلَّى نهار! وسلام على أصحابك الأبرار المهاجرين والأنصار، الّذين أيدهم الله تعالى بما نصروا الله، ونافحوا عن رسوله بأيديهم وألسنتهم. لَهفَ نفسي على هؤلاء الرّجال المقتدى بفعالهم! لَهْفَ نفسي على المنكرين لكلّ أمر مُنْكر!
أما بعد، فقد ظنَّ أقوام أنهم حين يتجرَّؤون على رسول الله - ﷺ - يطفئون نور الله بأفواههم ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا
1 / 13
ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)﴾ [التوبة] بلى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)﴾ [المجادلة].
ولعمري لو علموا حقيقة رسالته ما وسعهم إلا اتّباعه، لكنّهم ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)﴾ [الروم].
ولا ريب أنَّ هؤلاء الأدعياء، أهل الأراجيف والباطل، الذين بغوا على رسول الله - ﷺ - وَلجُّوا في الغواية على أصحابه وأمعنوا في الضَّلال ليسوا بشيء، وكلامهم الذي يعبِّرون به عن سويداء القلوب، العاقل لا يعيره الطّرف، ولكن ما يدعو للأسى أنَّ من بين هؤلاء قومٌ من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا! جنحوا لرواياتٍ موضوعة وآثار مصنوعة في كتب التّراث الإسلاميّ ...
وأنا أعلم أنّ الله تعالى أغنى نبيَّه - ﷺ - عن نصرة الخلق، لكن والذي نفسي بيده، إنَّ بطن الأرض أولى بنا من ظهرها إن عجزنا عن نصرة نبينا - ﷺ - ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ... (٤)﴾ [محمد]، ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ... (٢٥)﴾ [الحديد]، ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ... (٨)﴾ [الأنفال].
والله يشهد أنني وأنا أكتب هذا البحث لا يغيب عن خاطري قوله تعالى: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨)﴾ [الحشر]، وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)﴾ [الكهف]، ولذلك يا قوم: ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ... (٢٩)﴾ [هود] و﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩)﴾ [الإنسان]، فأنا لم أضعه لأجل هذا أو ذاك، وإنّما:
أرَدْتُ به نَصْرَ الإله تبتُّلًا ... وأضمرتُه حتّى أوسَّدَ في قبري
1 / 14
و﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)﴾ [هود]، ووضعته لأردّ به غائلةَ المبطلين، ووساوسَ الشّياطين، وشبهاتِ المشكّكين، وأفانين المتقوِّلين الخرَّاصين، الذين ما قدروا الرَّسول - ﷺ - حقّ قدره، وما عرفوا فضل الصّحابة ﵃ ليخزهم الله ﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾ [التوبة].
ووضعته تصيّدًا للعبر والدّروس، فالتّاريخ يعيد نفسه، فهناك أحداث تتشابه أقوالًا وأفعالًا بين الليلة والبارحة؛ لتشابه القلوب، وقد أشار القرآنُ الكريم لذلك، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ... (١١٨)﴾ [البقرة]، فهناك تشابه بين قلوب الأولّين والآخرين، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)﴾ [الذاريات].
والعاقل من يعتبر بالسَّلف قبل أن يصيرَ عبرةً للخلف، أو كما قال عبد الله بن مسعود ﵁: " والسّعيد مَنْ وُعِظ بغيره " (^١).
أمّا منهجنا في الكتاب:
فقد أَصَّلْنا إلى أنّ الطبري لم يلتزم بإيراد الصّحيح في كتابه؛ لأنّ هناك قاعدة عند المحدِّثين والإخباريين مفادها: أنّ من أحال فقد برئ. وبالتَّالي فإنّ الرِّوايات التَّاريخيّة لا تُقبل ما لم تُعرف بالسّند الصَّحيح، والمتن الصَّحيح، مثلها مثل الحديث الشّريف؛ وإلا لقال كُلُّ مَنْ شاء ما شاء كيف شاء.
فهناك علامات للوضع في السّند، وعلامات للوضع في المتن يعرفها أهل العلم، ولا ينبغي لمسلم أن يجهلها؛ ولذلك تعرَّضتُ لبعض الروايات التَّاريخيّة التي أخرجها الطبري
_________
(^١) " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٨/ج ١٦/ص ١٩٣) كتاب القدر.
1 / 15
بالنَّقد لأسانيدها، وبالدِّراسة لمتونها، بعد أن رأيت إمعانَ أهل الأهواء في نقل هذه الأخبار، وإهمال النّاس إلى أسانيد هذه الآثار، وذلك ليتعرَّفَ القارئُ المنهج الصَّحيح الذي ننفي فيه عن التّاريخ تحريف الغالين، وتحامل القالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين.
والله يشهد، أنّه لا يبغض أهل الحديث إلاّ الوضّاعون وأشياعهم، كما قال أحمد بن سنان القطان: " ليس في الدّنيا مبتدع إلاّ وهو يبغض أهل الحديث " (^١)، أو كما قال أحمد بن سلام الفقيه: " ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد " (^٢) لأنّ أهل الحديث ميَّزوا الطَّيِّب من الخبيث، ودمغوا أهل الباطل بسنن النَّبيِّ - ﷺ - وبما صحَّ من الأخبار، وما ثبت من الآثار.
وقد اعترض كتابَ الله تعالى مَنْ في قلوبهم زيغ، ولغوا فيه، واتّبعوا ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ... (٧)﴾ [آل عمران]، فحرّفوا كلام الله تعالى عن مواضعه، وحكموا عليه بالتّناقض، ونسوا أنّ الله تعالى أعجز بهذا القرآن كبراءَهم من الإنس والجنّ من قبل، وإنّما حرّفوه من بعد ما عقلوه لئلا يُحْتَجَّ عليهم به بما يخالف أهواءهم.
كما حملوا على سيرة النَّبيِّ - ﷺ ـ، وقضوا على أحاديثه الشّريفة بالتّناقض والاختلاف والضّعف، ولم يتوقّفوا عند ذلك، وإنّما ألبسوا الحقّ بالباطل في شأن الصّحابة ﵃ وسلقوهم بألسنة حداد، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ، ولم يحملْهم على ذلك كلّه إلاّ قلَّة الدِّين، والجهل المتين، والغباء المكين.
وهذا كلّه لو وقعت الغفلةُ عنه خِيفَ ضرره، واستطار شرُّه؛ فجعلت كتابَ الله أمَامي وإمامي، وسنّة الحبيب محمّد - ﷺ - لساني وبياني؛ لأقذف بالحق على الباطل، بأوجز لفظ وأبينه، فظهر لذي عينين ولسان وشفتين بطلان شبهاتهم الكليلة، وحججهم العليلة، كما ظهرت سيرة الصّحابة ﵃ وسريرتهم خالصة من كلّ شبهة وريبة وقادح.
_________
(^١) الحاكم " معرفة علوم الحديث " (ص ٤).
(^٢) المرجع السَّابق.
1 / 16
وكان ابتداؤنا باسم الله الملك الحقّ المبين بترجمة للنَّبيِّ الصّادق الوعد الأمين، ثمّ بصور من نصرته ونصرة أصحابه لهذا الدِّين، وتحمّلهم لأذى المشركين والمنافقين، وبعد ذلك رددت على أبرز شبهات المشكّكين، ولم أتفرّد بالرّدِّ عليها، وإنّما تناولها السّلفُ بما أصابها بالتَّلف، غير أنّ هذه الشّبهات النَّائمة هناك مَنْ يُوقظها ويؤجّجها ويجدّدها، مع أنّها شبهات فارغة فرغت منها الأمّة منذ قرون، ومع هذا جاء من يتعاهدها، ولكن هيهات أيّها السّادرون في الغيّ، أين تذهبون؟!
وقد كان لزامًا أن نردّ خشية أن يقع في النّفس أنّ المبطل محقّ؛ فالسّكوت إقرار! وقد جاء ردُّنا على وجه يرفع الحيرة عن إخواننا المؤمنين ويهديهم إلى الحقّ المبين، والصراط المستقيم، والفضل كلّه لله ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤)﴾ [الحج].
وقد أثبتّ كثيرًا من الكتب التي أفدت منها في دفع هذه الشّبهات وغيرها في آخر هذا البحث لتصرّفي في العبارة، وأدّعي أنّني كثيرًا ما زِدْتُ عليها في استقصاء الأدلّة والبراهين فيما أنشد وأبتغي، فجاء الجوابُ واقعًا ما له من دافع.
وقد تحرَّيتُ الحقَّ بالأدلّة والبيّنات، ووثّقت نصوص السُّنَنِ وخرّجت الآيات؛ قيامًا بحقّ كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه - ﷺ - وتصديقًا لقوله تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٩)﴾ [الفتح].
وأتبعت ذلك بالذَّبِّ عن الصحابة، بعد أن نَقَمَ عليهم مَنْ نَقَمَ، ووقع في عرضهم من وقع! والصّحابة إذا لم يرض عنهم هؤلاء وأولئك الّذين أجلبوا عليهم بِخَيْلِ أدلَّتهم الواهنة ورَجِلها، فقد ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)﴾ [المجادلة]، فظهر أنّ الصّحابة كلّهم عدول رغم ما جرى بينهم؛ فقد نصّ الله تعالى على عدالتهم في آيات صريحة يكثر إيرادُها، وصرَّحَ بذلك النَّبيُّ - ﷺ - في أحاديث صحيحة يطول تعدادها.
وقد حاولت جهدي أنْ أضمّن هذا الكتاب من فنون اللغة وأفنانها، وعلوم الشَّريعة
1 / 17
وأنوارها، ما يجد فيه المسلم بُغْيته وغُنْيته؛ فالقرآن الكريم مشحون بفنون البلاغة وعيون الفصاحة وأسرار البراعة، وتكاد لا تخلو سورة من إحكام أحكام، وإعجاز إيجاز، وحسن تركيب، وبديع ترتيب، وبدائع بديع، وأجناس جناس، وسحر بيان يأسر الجَنَان! وكيف لا وهو الفصل ليس بالهزل! أنزله الله على نبيّه - ﷺ - ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور، وليقيم عليهم الحُجّة، ويوضّح لهم المَحَجَّة، فسبحان من أنزله بالحقّ بأبدع أسلوب، وسلكه ينابيع في القلوب!
وختامًا:
لو أنّ الدّهر عيني تنظر في عيون علوم القرآن، وسيرة سيّد الأنام - ﷺ - وصحبه الكرام لَفَنِيَ العمرُ وولّى الزّمان وعيني لم تشبع من النّظر! فَنَضَّرَ اللهُ وجوه أموات تحيا القلوب بذكرهم، وجمعنا بهم على حوض حبيبنا وحبيبهم - ﷺ ـ!
المؤلّف
أحمد الشوابكة
1 / 18
القسم الأول
المبحث الأول
النَّبيُّ - ﷺ - في سطور من المولد إلى النّشور
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ... (١٦٤)﴾ [آل عمران].
مولده - ﷺ - ـ
قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)﴾ [آل عمران].
وُلِد - ﷺ - في مكّة يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل عام الفيل عام خمسمائة وواحد وسبعين للميلاد (٥٧١ م) أبوه عبد الله، وأمّه آمنة بنت وهب.
نسبه الشّريف - ﷺ - ومعدنه المنيف
هو محمّد بن عبد الله، بن عبد المطّلب، بن هاشم، بن عبد مَناف، بن قُصَيّ، بن كلاب، ابن مُرّة، بن كعْبِ، بن لؤيّ، بن غالب، بن فِهْر، بن مالك، بن النّضر، بن كِنَانة، بن خُزيْمةَ، ابن مُدْرِكةَ، بن إلياس، بن مُضَرَ، بنِ نِزَارِ، بن مَعَدّ، بن عدنانَ " (^١).
وهو من ولد إسماعيل، وجميعُ قبائلِ عربِ الحجاز ينتمون إلى هذا النّسب، ولهذا لمّا سئل ابن عبّاس ﵄ عن قوله تعالى ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... (٢٣)﴾
_________
(^١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ٢٣٨) كتاب أحاديث الأنبياء، ذكره البخاري معلّقًا في باب مَبْعَث النّبيّ - ﷺ ـ.
1 / 19
[الشورى]، قال: " إنّ النَّبيَّ - ﷺ - لم يَكُن بطنٌ من قريشٍ إلاّ كان له فيهم قرابةٌ " (^١)، ومقتضى كلامه أنّ جميع قريش أقارب النّبيّ - ﷺ - وأنّ عليهم أن يُوادُّوا النّبيَّ - ﷺ - لحق القرابة الّتي بينهم وبينه - ﷺ ـ.
ونسبه - ﷺ - لا يدانيه نسب، فقد اختاره الله تعالى من أزكى القبائل، وأنضر الفروع، وأفضل البطون، وأطهر الأصلاب، ففي الحديث الصّحيح الّذي أخرجه مسلم عن واثلة بن الأسقع، يقول: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: " إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم " (^٢).
والحديث فيه بيان فضل العرب على سائر النّاس، وفضل قبيلة قريش على سائر العرب، وفضل بني هاشم على كافّة الفروع.
والرّسول - ﷺ - من بني المطّلب، وبنو المطّلب وبنو هاشم واحد؛ فنسبه - ﷺ - أشرفُ نَسَبٍ.
البشارة بالرّسول - ﷺ - في التّوراة والإنجيل
القرآن الكريم مذكور في الكتب السّماوية السّابقة، مثل التّوراة والإنجيل، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧)﴾ [الشعراء].
وقد أوجب الله تعالى على نبيّنا محمّد - ﷺ - الإيمان بالكتب السّماويّة كلّها، قال تعالى: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ (١٥)﴾ [الشورى].
وأوجب علينا الإيمان بها، قال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ... (١٣٦)﴾ [النساء].
ولذلك فنحن المسلمين نؤمن بكلّ نبيّ مُرْسَل وكُلِّ كتابٍ مُنْزَل، إلاّ أنّ الله تعالى لم
_________
(^١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٣/ج ٥/ص ٣٧) كتاب تفسير القرآن.
(^٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٨/ج ١٥/ص ٣٦) كتاب الفضائل.
1 / 20