وأمَّرَ النبيُّ ﷺ مرةً عَمْرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ــ استعطافًا لأقاربه الذين بعثه إليهم ــ على مَن هو أفضل منه (^١). وأمَّر أسامة بن زيد لأجل طلب ثأر أبيه (^٢). وكذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة، مع أنه قد كان يكون مع الأمير مَن هو أفضل منه في العلم والإيمان.
وهكذا كان أبو بكر خليفة رسول الله ﷺ ﵁ ما زال يستعمل خالدًا في حرب أهل الرِّدَّة، وفي فتوح العراق والشام، وبَدَت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذُكِر له عنه أنه كان له فيها هوى، فلم يعزِلْه من أجلها، بل عَتَبَه (^٣) عليها لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه (^٤)، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه؛ لأن المتولي الكبير إذا كان خُلُقه يميل إلى الشِّدَّة، فينبغي أن يكون خُلُق نائبه يميل إلى اللين، وإذا كان خُلُقه يميل إلى اللين، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة، ليعتدل الأمر.
ولهذا كان أبو بكر الصديق ﵁ يُؤثِر استنابةَ خالد، وكان عمر بن الخطاب ﵁ يؤثر عزلَ خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح؛ لأن خالدًا كان شديدًا كعمر، وأبا عبيدة كان ليِّنًا كأبي بكر، فكان [أ/ق ٧] الأصلح لكل منهما أن يولي مَن ولاه؛ ليكون أمره معتدلًا، ويكون بذلك مِن خلفاء رسول الله ﷺ الذي هو معتدل، حتى قال رسول الله ﷺ: «أنا نبيُّ الرحمة، أنا نبيُّ