وتصحيح الأقسام. لأن هذين إنما سئلا عن حد يبين الكلام المرفوض من المختار والخطأ من الصواب ويوضح كيف يكون الإيجاز مختارًا ومتى يقع الإطناب مرضيا محمودًا فأحالا على ما السؤال فيه باق وعدم العلم معه موجود حاصل.
وفي البلاغة أقوال كثيرة غير خارجة عن هذا النحو وإذا كانت الفصاحة شطرها وأحد جزئيها فكلامي على المقصود وهو الفصاحة غير متميز إلا في الموضع الذي يجب بيانه من الفرق بينهما على ما قدمت ذكره فأما ما سوى ذلك فعام لا يختص وخليط لا ينقسم. وسأذكر بمشيئة الله ما يخطر لي ويسنح بفكري في موضعه.
وأقول قبل ذلك إن الناس قد أكثروا من الدلالة على شرف الفصاحة وعظم قدر البيان والبلاغة ونبهوا بطرق كثيرة وألفاظ مختلفة. وقد قال عز اسمه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ ١ولم يكن تعالى يذكر البيان ها هنا إلا وهو من عظيم النعم على عبيده وجميل البلاء عندهم لا جرم وقد قرن ذلك بذكر خلقهم فجعله مضافا إلى المنة بخروجهم من العدم إلى الوجود ومن جانب النفي إلى الإثبات.
وأنا أقول قولا مختصرا كافيا: قد ثبت أن الفرق الواضح بين الحيوان الناطق والصامت هو النطق وبه وقع التمييز في الحد المنسوب إلى الحكيم٢وأن كان يفسره أصحابه بغير هذا الظاهر فالشرف منه يؤخذ والفضل به يقع. ولا خلاف في أن الصمت أفضل من مطرح الكلام ومنبوذه وأوفق للسامع من كلف ذلك. فقد صار مع هذا
_________
١ سورة الرحمن الآيات ١-٤.
٢ يشير المؤلف بلفظه الحكيم إلى أرسطو الذي عرف الإنسان بأنه حيوان ناطق.
1 / 60