بالنجدة في غيرهم والمنسوبون إلى البأس من سواهم كأسماء١ ومن يجري مجراها ممن خبره مشهور معروف. هذا وفي طباع النساء اللين وشيمتهن الضعف واليهن تنسب رقة القلوب وعنهن يؤخذ انتكاس العزائم.
ثم هم أصحاب السرى والتأويب وإليهم يعزى جوب القفار وقطع المهامة والحروب عادتهم والغارة صناعتهم وبصيرتهم بها وآراؤهم فيها تدلك على اهتمامهم بهذا الشأن وإرهاف أفكارهم فيه وشحذ خواطرهم لتدبيره. ولا حجة فيما ذكرناه أبين ولا دليل عليه أوضح من اجتزائهم عن جميع المعايش غيره واقتصارهم من سائر المكاسب عليه. إذ لم يروضوا شماسهم بذلة المهن ولا مرنوا نخواتهم على معاناة الحرف لا يسأل أحدهم الرزق الأغرار سيفه ولا يستنجد على نفي الضيم إلا بسنان رمحه.
وأما العقول الصحيحة والأذهان الصافية فالأمر في تفضيلهم بها واضح وذلك أنهم لم يكونوا أهل تعليم ودرس ولا أصحاب كتب وصحف ولا يعرفون كيف التأديب والرياضة ولا يعلمون وجه اقتباس العلم والرواية. وفي كلامهم من الحكم العجيبة والأمثال الغريبة والحث على محاسن الأخلاق والأمر بجميل الأفعال ما إذا تأملته غض عندك ما يروى عن حكماء اليونانيين وسهل الأمر عليك فيما حكاه الناس عنهم. ووجدت تلك الفصول اليسيرة والفقر القليلة تسند إلى جليل من الحكماء وتضاف إلى رئيس من العلماء وأمثالها وأضعافها في شعر راع جلف ومن كلام عبد غمر ينشئها طبعه بلا تثقيف ويسمح بها خاطره عن غير صقال.
_________
١ يريد أسماء بنت أبي بكر في تحريضها لابنها عبد الله بن الزبير على حرب بني أمية.
1 / 54