الأمة من العرب حتى صرحوا بذلك في أشعارهم ودونوه في المأثور عنهم وتساوى فيه موسرهم ومعسرهم وغنيهم وفقيرهم. هذا وهم في الأكثر أهل جدب وفاقة وضيق وعسر ونصب في انتجاع الرزق وكد التعرض للكسب ثم بلغ من حبهم الجود وصبابتهم إلى جميل الذكر أن سمحوا بنفوسهم ورأوا البخل بها مذمومًا كالبخل بأموالهم وكان من كعب بن مامة الأيادي في ذلك ما هو مشهور معروف لا تزيد الأيام ذكره إلا بقاء ولا يؤثر فيه بعد العهد الأجدة ووضوحًا. ولم نر في الهند والزنج والحبش والترك من إدعى مثل هذه السجية ولا إنتسب إلى هذه الخلة. فأما الفرس والروم فالبخل عليهم غالب وحب الغنى مركز في طباعهم ليس عندهم في ذلك كبير عار ولا يلحقون أنفسهم به منقصة.
وأما الوفاء فمن دينهم الذي كانوا يرونه لازما ومذهبهم الذي كانوا يعتقدونه حتما حتى صار من تمسك بجوارهم أو تعلق ببعض أطنابهم تبذل النفوس دونه وتراق الدماء في المنع منه فكم قتل الرجل منهم في ذلك أقرب الناس إليه نسبًا وأمسهم به رحمًا وكم من وقعة عظيمة وحرب جليلة طويلة جرها ضيم نزيل أو التعرض لسب جار كالحال في حرب البسوس التي ساقها ما علم من قتل كليب لناقة جارة جساس واستفحال ذلك وتماديه حتى شهدته الأجنة شيبًا.
فأما السموءل ورضاه بقتل ابنه دون الدروع التي كانت وديعة عنده وأبو دؤاد الأيادي في قود ولده بجاره فمما هو متداول لإخفاء بتقصير جميع الأمم عنه.
وأما البأس والنجدة وطاعة الغضب والحمية وأدراك الثأر وطلب الأوتار فأخبارهم بذلك معروفة وسيرهم فيه بذلك متداولة لا يخص به الرجل دون المرأة ولا الغلام دون الهم المسن بل يوجد عند نسائهم من الصبر والشجاعة والتحريض على الحرب والقساوة مالا يساويه المذكورون
1 / 53