الكلام هو الصوت الواقع على بعض الوجوه أنه لو كان غيره لجاز أن يوجد أحدهما مع عدم الآخر على بعض الوجوه لأن هذه القضية واجبة في كل غيرين لا تعلق بينهما ولما استحال أن توجد الأصوات المقطعة على وجه مخصوص ولا تكون كلامًا أو الكلام من غير صوت مقطع دل على أنه الصوت بعينه.
فأما من ذهب إلى أن الكلام معنى في النفس من المجبرة فإن الذي حملهم على هذا المذهب الواضح الفساد ظهور أدلة نظار المسلمين١ على حدوث هذا الكلام المعقول وتقديم بعض حروفه على بعض فلم يتمكنوا من الاعتراف بأنه من جنس الأصوات المقطعة مع القول بأن كلام الله عز اسمه قديم فادعوا لذلك أن الكلام غير هذا الصوت المسموع وأنه معنى قائم في النفس ليسوغ لهم قدمه على بعض الوجوه فلجأوا من الاعتراف بالحق والانقياد بزمامه إلى محض الجهل وصرف الضلال. ولو تجنب خطابهم على هذا القول وعول في إفساده على حكاية مذهبهم لأغني ذلك عند كافة المحصلين ولم يفتقر إلى استئناف دليل عليهم غي التأمل لما يدعونه والعجب مما يلتزمونه ويصرحون به وحمد الله تعالى على ما أنعم به من الإرشاد ومنحه من الهداية. لكن قد جرت عادة أهل العلم معهم بإيضاح الحق وإن كان غير خاف والتنبيه على الصواب وأن كان ليس بمشكل في جميع المذاهب التي تفردوا بها وإن جرت في البعد مجرى هذا المذهب فنحن نستدرك عليهم في هذه المسألة على طريقة أصحابنا ونذكر ما قالوه وإن كنا غير محتاجين إلى ذلك.
والذي يدل على أن الكلام ليس بمعنى في النفس أنه لو كان معنى زائدًا على المعاني المعقولة الموجودة في القلب كالعلم وغيره لوجب أن يكون إلى معرفته طريق من ضرورة أو دليل.
ولو كان ضرورة لوجب اشتراك العقلاء
_________
١ يعني أصحابه من المعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق وليس بقديم.
1 / 40