ومما كانت الحكماء قالت ... لسان المرء من خدم الفؤاد١
لا أعلم موقع الدلالة منه على شرف الكلام وهو بالدلالة على تشريف الفؤاد والوضع من اللسان بأنه خادمه أليق.
وأما قوله أنهم يقولون للإنسان الذي يورد ما تقل فائدته: هذا ليس بكلام قلنا ذلك وأمثاله إنما يورد على سبيل الجواز والإسراف في المبالغة. كما يقال للرجل البليد: ليس بإنسان والفرس البطيء ليس بفرس لا أن ذلك على الحقيقة. وهذا مما لا تدخل في مثله شبهة.
وأما قوله إن العرب لشرف الكلام عندهم وأن القليل المفيد منه كثير. يقولون: قال فلان في كلمته يريدون القصيدة فذلك كله هو وأمثاله هو الوجه في اقتصارهم على لفظ التكثير في الكلام أفاد أو لم يفد دون الألفاظ التي لم توضع للتكثير.
وقد حد الكلام بحدود غير صحيحة كحد بعض النحويين له بأنه فعل المتكلم وذلك ينتقض بجميع أفعاله الحادثة منه في حال كلامه كالضرب وما أشبهه على أن من عقل كونه متكلما عقل الكلام ولم يحتج إلى حده. وكذلك حد بعض المتكلمين له بأنه: ما أوجب كون المتكلم متكلما. وقول غيره: ما يقوم بذات المتكلم لأن هذا كله فرع على عقل المتكلم وتحققه وذلك لا يتم إلا بعد المعرفة بالكلام وما يقوم بذات المتكلم ينتقض بكل ما يقوم به من العلم والقدرة والحياة. ثم السؤال فيه باق لأنه إذا قيل فهذا الذي أوجب كون المتكلم متكلمًا أو قام بذاته ما هو فلابد من الرجوع إلى ما قدمنا من حده.
وإذا كان كلامنا مبنيًا على أن الكلام هو الصوت الواقع على بعض الوجوه وكان أبو علي الجنائي يذهب إلى أن جنس الكلام يخالف جنس الصوت فلا بد من بيان ما ذهبنا إليه وفساد ما عداه. والذي يدل على أن
_________
١ هذا البيت لأبي تمام كما سبق ذكره.
1 / 39