Sirat Muluk Tabacina
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Genre-genre
وهكذا واصل ملك الحبشة أرعد مطارداته وحروبه خلال طفولة سيف بن ذي يزن، فغزت الحبشة اليمن وشمال الجزيرة العربية، وتوغلت في صعيد مصر، حتى هاجر اليمنيون أنفسهم إلى تلمسان تحت حكم عبد الودود والمنذر، إلى أن اشتد ساعد سيف اليزن، فجمع كوكبة من أخلص فرسان القبائل المعادية للحبشة وتسلطها وخاض سلسلة من المخاطر والمغامرات على طول البلدان والقلاع المهجورة شرقا وغربا في أفريقيا، وأحب بنت ملك أفراح «شامة»، التي اصطحبته بضع سنوات عبر مخاطراته تلك في ربوع أفريقيا واليمن، إلى أن تزوج بها عقب إنقاذه لها من بين مخالب ابن ملك الحبشة الذي كان يبغي الزواج بها، ولعب سيف بن ذي يزن أبرز أدواره كبطل شعبي، حين تسلل بأتباعه وفرسانه إلى داخل بلاد الحبشة ذاتها، فأقدم مليكها سيف أرعد على حصار عاصمة التباعنة في أفريقيا - أحمرا - ذاتها، بهدف تخريبها وأسر ملكتها قمرية.
وتمكن سيف (أو هيكل) من تخريب سدود ومنشآت النيل داخل الحبشة، إلى حد تمكنه من تخريب الحصار ذاته حول أحمرا، وفك أسر أمه، ثم طاردا معا جيش الأحباش وملكهم سيف أرعد إلى أن أوقع به وقتله.
وهنا أصبح سيف بن ذي يزن: تبع حمير المنتظر.
وعمت الأفراح وتوثق الأمن والأمان في ربوع اليمن والجزيرة العربية بأسرها، بالإضافة إلى بقية البلدان التي يجمعها نهر النيل، وأهمها بالطبع «مصر العدية»؛ حيث توافدت الوفود على أحمرا من ربوع مصر، مطالبة بزيارة الملك سيف - أبو الأمصار - لمصر التي بها استقبل استقبال الأبطال الفاتحين، بعدما أراح أهل مصر من ملك الحبشة وتهديده لرقابهم وأرضهم؛ نتيجة لتحكمه في مناسيب النهر الأسمر داخل الحبشة وتخومها، ففي مصر، التي أعطت لسيف بن ذي يزن، أقصى طاقات حبها واحتضانها له ولأفكاره ومشاريعه العمرانية، وجد الملك سيف مبتغاه الأخير، فأقام بها طويلا، بعدما أحاطه المصريون بحبهم المتدفق والجارف، فأطلقوا عليه: أبو الأمصار.
وحين أنشأ بجبل المقطم القلاع والحصون لجيشه لحمايتها، خاصة من أخطار الفرس الطامعين، أطلقوا على الجبل «الجيوشي» وتعارفوا على الملك سيف ذاته ب: أبو الجيوش.
واصطحب الملك سيف بن ذي يزن زوجته ورفيقة صباه ابنة ملك «أفراح» شامة، وابنهما الذي سمياه «دمر»، إلى مصر فأقاموا بها طويلا وبدأ استعداده لحماية مصر من الطامعين، حتى إذا ما تجددت أطماع الفرس في حكمها، واصل حروبه ومطارداته لفلولهم داخل خراسان، بعدما توغل في أصفهان بجيشه العربي الذي كان قد أحسن تدريبه بنفسه بالجبل الذي يحمل اسمه إلى اليوم، «جبل الجيوشي».
وكان يحلو له التنكر ومواصلة أسفاره ومخاطره السرية، لاستطلاع نوايا الفرس، بحجة بحثه عن كنوز جدته بلقيس ملكة سبأ والملك سليمان.
وعندما كبر ابنه من شامة - دمر - نصبه حاكما لسورية الشمالية، واتخذ من ميناء بانياس عاصمة له، إلا أن غزوات الأقوام الفارسية الطامعة تمكنت من أسر دمر، مما أوقع الأحزان الثقيلة بأمه شامة، إلى حد أفضى بها إلى الجنون.
وهنا لم يجد الملك التبع سيف بن ذي يزن مهربا من مطاردة الفرس ومنازلتهم عبر آسيا الصغرى والأناضول وشبه القارة الهندية، وهي حروب طويلة ومضنية، ضد ملك يدعى «الهدهاد» الذي واصل تعقبه إلى «ما وراء نهر بلخ» و«عاد فدخل دلتا مصر عن طريق دمياط مظفرا بالنصر، مخضبا بالدم النازف على جبينه كأرجوان.»
لكن سرعان ما اندلعت من جديد الحرب بينه وبين الملك الفارسي «بهرام»، إلى أن حقق الملك سيف نصره الأخير، الذي انتهى بهدنة، أقدم الملك التبع سيف بن ذي يزن خلالها على الاقتران بابنة بهرام الباهرة الجمال «مهردكار» وعاد بها إلى مصر، دون إدراك لأبعاد المؤامرة التي دبرها الفرس للتخلص منه بأقل الخسائر؛ حيث اضطلعت زوجته «مهردكار» بوضع السم الزعاف في طعامه خلال رحلة بحرية لهما على شاطئ النيل، هربت بعدها عبر أحراش الدلتا، فلم يعثر لها على أثر.
Halaman tidak diketahui