لما بلغ التكليف وكمل عقله الشريف، وتوفي والده رحمة الله تعالى وبركاته عليهم وعلينا معهم، ضرب أكباد المطي بالارتحال إلى صنعاء اليمن ليرقى إلى درج الكمال، فأناخ مطي سفره وعزمه بعقوه من استنار بعلمه، واستصبح بمصباح حكمته وفضله وفهمه، إمام [أهل](1) الشريعة المحمدية، وسلطان علماء الحقيقة الربانية، السجاد في الليالي، والبكاء في صلواته من خوف الباري، حاتم بن منصور الحملاني(2) قدس الله روحه في الجنان وحباه بالحور الحسان كما قال تعالى في سورة الرحمن: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}[الرحمن: 60]، حلق عليه في الفقه مدة من الزمان حتى حصل الفائدة من فقه آل محمد عليهم السلام قدر عشر سنين، وظهرت فائدته، فحلق عليه وأقرى فيه برهة من الزمان، من جملة من قرأ على إبراهيم [الكينعي](3): الشيخ الخضر(4) رحمه الله تعالى، وصحب في عرض قرأءه فضلاء ذلك العصر، وأخذ(5) منهم، واغترف من بحور علومهم كحاتم رحمه الله، ومحمد بن عبد الله الرقيمي(6) ، ولابد من نكتة في ذكرهما في موضعهما إن شاء الله تعالى، لنأخذ من البركة وسطها من أولها إلى آخرها إن شاء الله، وقرأ في الفرائض على الشيخ [الأجل](1) الخضر بن سليمان (الهرش)(2) حتى برز فيها على مشايخه، سمعت من القاضي العالم أحمد بن محمد الشامي رحمة الله عليه ورضوانه قال: ما في الجيل واليمن، أفرض من إبراهيم بن أحمد، سيما في الجبر(3) والمقابلة، وسمعته يوما قال: يمكني أفهم ما في هذه البركة من أرطال الماء بالمساحة، وطالت صحبته مع الشيخ الخضر، ولم يفترقا حتى الممات، حجا معا سبع سنين، وتوفي الخضر في البحر ودفن في جزيرة، وجعل وصيه(4) أخاه في الله إبراهيم الكينعي، وجعل ولاية كتبه إليه، وهي الآن من جملة تراثه، واتخذ مدينة صنعاء له وطنا؛ لاجتماع العلماء والصالحين فيها، والجمعة والجماعة، وتأهل وأولد بناتا، الله أعلم بعدتهن، وسكن في درب الفقيه، العالم المدرس: أحمد بن حميد(5) شيخ الأئمة عليهم السلام في علم الكلام، وأصول الفقه، قرأ عليه الإمام المهدي على بن محمد(6) [بن علي](1)، والإمام الواثق مطهر بن محمد بن المطهر(2)، وقرأ عليه [السيد](3) الإمام المهدي بن القاسم(4) في الأصولين حتى (فهمهما)(5)، وكان هذا أحمد بن حميد أعاد الله من بركاته عالما، فاضلا ورعا، يرى لأهل بيت محمد أبلغ مما يرى لنفسه، ويهش عند رؤيتهم اهتشاش النهم الضرم ما لم أره في غيره كافأه. الله بالحسنى، حكى لي رحمه الله أنه قرأ سورة {كهيعص} وانتهى إلى ذكر الأنبياءعليهم السلام: إبراهيم الخليل، وإسماعيل، ويعقوب، وموسى، وهارون، وإدريس صلوات الله عليهم فارتعش قلبه، وقال: يالك من شرف، يعظمهم الله، ويذكرهم عنده، أو ما في معنى(6) هذا، فسمع قائلا -لا يراه- يقول: وأنت منهم، وأنت منهم. وكان نفع الله به في علم الكلام كعبد الجبار قاضي القضاة(1)، وفي الورع كعمرو بن عبيد(2) ، وفي ولاء (1) أهل البيت كالصاحب الكافي(2)، وهذا الدرب المذكور شرف بشرف أحمد بن حميد رحمه الله تعالى، حتى صار غرة المدينة وخلاصة سككها.
وتزوج إبراهيم- أعاد الله من بركاته- ابنة الفقيه، العالم، الفاضل، الزاهد، العابد، ربيب الإيمان ومفسر آية (3) القرآن: محمد بن أحمد، عرف بالدباني، أسكنه الله بحبوحة جنته، وأعاد من بركته ومن(4) بركة ولده الفاضل الزاهد المفسر علي بن محمد، وقف معهم مدة ساكنا في الدرب، وتعلق بصحبة أخ له في الله تعالى، يقال له: الفقيه الفاضل: راشد بن محمد، وخالطه مخالطة، حتى قيل: راشد بن محمد الكينعي، وليس منهم، فحج البيت العتيق معه سنين، والخضر رحمه الله متجردين.
Halaman 70