Siddiqa Bint Siddiq
الصديقة بنت الصديق
Genre-genre
ثم توفيت حوالي السنة العاشرة بعد الدعوة؛ فلم يعرف عنه أنه حزن على أحد قط أشد من حزنه عليها، ولا أطال الذكرى لأحد قط بعد وفاته كما أطال ذكراها، وسمى عام وفاتها «عام الحزن»؛ لأن الحزن لم يفارقه طوال أيامه، ولم يفارقه - في الواقع - بقية حياته كلها، وإن سكنت سورته مع الأيام كما تسكن كل سورة لاعجة مع ذلك العزم الصادق والقلب الصبور.
وتزوج بالسيدة عائشة بعد وفاة السيدة خديجة بسنوات.
فكان التقابل بين الزوجين من أتم ما تأتي به المصادفة حين تكون المصادفة أحكم من التدبير والتقدير، ولعل هذا التقابل لم يخل كل الخلو من القصد الخفي، وإن لم تتجه إليه النية في وضوح.
ويبدو لنا أن النبي - عليه السلام - كان أحوج ما يكون إلى هذا التقابل العجيب في حياته الزوجية.
فالفتى اليتيم الذي فجع في حنان الأمومة منذ طفولته الباكرة لم يكن أنفع له من زوجة كريمة رشيدة كالسيدة خديجة التي أغدقت عليه من حنان الأمومة ما فاته في بواكير الطفولة، وأدركه عطفها وهو يعالج من نوازع الدعوة النبوية ثورة مقيمة مقعدة في سريرة النفس، لا تزال بين الجلاء والغموض وبين الإقدام والإحجام، ولا تزال في هذه الحالة على حاجتها القصوى إلى التثبيت والكلاءة والتشجيع.
أما النبي في الخمسين من عمره فقد كان أنفع له وأبهج لفؤاده أن يغدق حنان الأبوة على زوجته التي تظفر منه بالحظوة والمودة، وأن يستروح من شبابها وجمالها نعمة تسعده في جهاده، وربيعا يظلله في وحشة عمره.
كانت خديجة أما ترعاه.
ثم كانت عائشة طفلة تنعم بتدليله.
وكانت خديجة تسعده بالعقل والحنكة.
ثم كانت عائشة تسعده بالطرافة والجمال.
Halaman tidak diketahui