Syahid-Syahid Fanatisme
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genre-genre
قال: لماذا تدعينني «الدوق»؟ إن أنا إلا ضابط شريف.
قالت: تبا لك من كاذب مخادع، أما تفتأ تخدعني؟ إن جلادك يا دوق قد فتك بأبي ظلما، ثم دخلت أورليان في اليوم التالي، ورجالك يحدقون بك، وكنت تجتاز الساحة التي مات فيها والدي ظلما، فلم ترفع رأسك لتراني، إلا أنني رأيتك وقتئذ، وعلمت أن الضابط فرنسوا الذي هويته ما كان إلا الدوق دي جيز، قاتل أبي، فأقسمت في ذلك اليوم على الانتقام منك. فعيناي اليوم لا تذرفان دمعا، ولكنك ترى أثر الدمع على وجنتي، وما عشت حتى الساعة إلا لأنتقم منك. إذن فأنت هالك! وقد ابتعد عنك رجالك فلا يوجد ها هنا أحد سوانا، وإني قاتلتك بعدما نزعت سيفك، وجعلته بعيدا عنك، فاركع يا دوق، واسأل الله لذنوبك غفرانا!
وفيما كانت مادلين تتكلم كان بصرها يطفح بغضا، والجفاء ظاهر في صوتها، فلما فرغت من كلامها همت بالهجوم على الدوق، إلا أنها أصيبت وقتئذ برعشة عصبية فاضطرب بصرها، ونظرت إلى فرنسوا نظرة تائهة، وأفلت خنجرها من يدها. أما الدوق فلم يشعر بأقل خوف؛ لأن خادمه بقي في ذلك البيت، وكانت أمامه مائدة عليها الصحون والشموع فلو هاجمته مادلين لاستطاع دفاعا عن نفسه. إلا أنه استشعر أسفا حقيقيا، ورأى نفسه صغيرا أمام تلك الفتاة، ولكن ذلك لم يدم إلا وقتا قصيرا فرشق مادلين بنظرة شرسة روعتها وقهقرتها، ثم سقطت على الأرض مغمى عليها، فحملها فرنسوا ووضعها على كرسي، ونادى خادمه وصب على صدغيها ماء باردا، ثم قال للخادم: لقد تركت لك هذه المرأة التعسة، فمتى أفاقت أعطها هذا الكيس وأطلق سراحها. وانطلق سريعا وهو يقول: ما عادت تطيب لي عشرة هذه الحسناء!
أما خادم الدوق، وكان يدعى جويليو، فإنه تأمل مادلين وأعجبه حسنها، ثم تأمل كيس النقود، وآثر أن يجعله في جيبه بدلا من أن يضعه في جيب مادلين، وهكذا فعل. ثم حمل مادلين على كتفه، وخرج من البيت، فلقي بعض جنوده، فقالوا له: إلى أين نمضي؟ فأجابهم: إنا مرتحلون عن روان، وإذ ذاك عاود بلترو رشده، لكنه لبث وقتا طويلا غير قادر على النهوض، ونادى مادلين غير ذاكر لأول وهلة ما جرى. ثم صاح: آه، ويل لك يا فرنسوا دي جيز، فقد كان في وسعك قتلي إلا أنك لم تفعل ، إذن فقد كتب لك الهلاك على يدي أنا!
الفصل الثلاثون
إخلاص ترولوس
لما بلغ أمير كوندة والأميرال خبر استيلاء ملك النافار والدوق دي جيز على مدينة روان حسبا أن مدة نهب هذه المدينة تدوم أياما، وهو حساب لا خطأ فيه، فعزما على انتهاز تلك الفرصة ومحاولة الاستيلاء على باريس، وقد أنجدهما أنديلو بسبعة آلاف جندي من ألمانيا. إلا أن جيش الملك تلقى الخبر فعاد إلى باريس، أما كاترين فانتقلت إلى فنسان مع الحاشية، وبقي دي جيز على زعامة جيش الملك مع مونمورانسي. فلما رأى زعماء جيش البروتستانت أن الدوق تقدمهم، وعلموا أن المخاطرة ربما تسوق إلى ملاشاة مذهبهم، حاولوا القتال متقهقرين حتى يصلوا إلى نورماندي. فلما وصل أمير كوندة إلى قرية يقال لها «أرموي» لحق به الدوق دي جيز، وأظهر أنه عازم على مقاتلته.
ومع ذلك فقد كان الارتباك سائدا بين جيز ومونمورانسي وسن أندري؛ لأنهم عز عليهم أن يهاجموا أميرا من بيت الملك، وكان زعماء الجيشين من بيت الملك، وكلا الزعيمين عم لشارل التاسع ملك فرنسا، ولو لم يمت ملك النافار لكان الارتباك أشد؛ لأن ملك النافار وأمير كوندة أخوان، وكل منهما يقود جيشا عدوا للآخر.
فلم يجد الدوق دي جيز ومونمورانسي وسن أندري بدا من إرسال رسول إلى الملكة الوالدة، اسمه ميشال دي كاستيلان، يطلبون منها أن تصدر أمرا مطلقا صريحا يقره مجلس الملك، ويكون مؤداه مباشرة القتال.
وكانت كاترين منذ وصلت إلى فنسان قلقة الخاطر، وقد عظم مجد الدوق دي جيز لاستيلائه على مدينة روان، فلو فاز فوزا جديدا لأصبح سيد فرنسا ومالكها، وهو منذ ذلك الحين قد أعاد أخاه الكردينال إلى مكانه في المحكمة المخصوصة، ورأت كاترين - وهي مرتعبة - إياب هذا الرجل، وأشفقت أن يفوقها دهاء وقوة، فلم يسترح فؤادها، ولا ارتاحت إلى شيء سوى حبها لترولوس، وقد استسلمت إليه شأن امرأة يئست من كل حب جديد. أما ترولوس فنسي الدنيا وما فيها بهوى كاترين، وكان يحبها حبا صادقا طالما تمنت مثله في شبابها، وهو حب مجرد عن الأغراض؛ لأن ترولوس لم يكن يحفل بلقب أو ثروة أو مجد، وكان يقول لها: لا مطمع لي في غير ما أنا فيه، ولا أشتهي إلا أن أبقى قائد حراسك؛ أي أن أعيش بقربك، وأموت لأجلك عند الحاجة.
Halaman tidak diketahui