فهذه الأشياء وما يشابهها (1) عمدة ما يحتج (2) به الفريقان ، وليس ولا واحد منهما (3) حسن (4) الاحتجاج ، وإن كان المذهب الثاني هو الحق. لكنهم لم يتركوا لنا برهانا أقاموه عليه ، بحيث نقنع (5) به (6)، أو لم (7) يفهموناه (8) تفهيما يتعرضون به لأن يقع على وجه يزيل الشكوك. فلهؤلاء القائلين بالسكون أن ينقضوا ما احتج به أولئك.
أما حديث الحصاة ، فإنها لا يخلو إما أن يكون الهواء المندفع أمام (9) الرحى يصرف الحصاة قبل أن تقع بينهما مماسة ، فحينئذ يكون ذلك السكون واقعا فى الهواء قبل المماسة ، وإما أن لا يكون بحيث يصرفه حتى يلقى حجر الرحى فحينئذ لا يستحيل ، وإن كان شنيعا أن تتوقف الرحى (10) لاستحالة اتصال الحركتين ، كما يقع مثل ذلك لاستحالة الخلاء. فإن الأمر الواجب وجوده لا يبعد أن يبطل ما من شأنه أن يبطل ، أو يمنع (11) (12) ما من شأنه أن يمنع (13)، ويكون القدر من الزمان الذي فيه الإبطال والمنع بحسب (14) مناسبة الفعل والانفعال.
وأما الحجة الأخرى ، فيجوز أن يقولوا عليها : إن السبب فيه سبب عدمى ، وهو عدم حدوث الميل عن القوة المحركة (15). فإن هذه القوة المحركة إنما تحرك (16) بإحداث ميل ، وقد علم أنها إذا كانت فى مكانها الطبيعى لم يكن لها هناك ميل إلى جهة البتة ، وتلك القوة موجودة ، فلذلك (17) تجوز فى الجهة الأخرى التي ترامت إليها (18) بميل (19) قاسر أن تكون تارة ممنوعة عن الميل الذي تحدثه (20) بالطبع بمعارضة الميل القسرى ، ويلزم من ذلك أن لا تتحرك ، وذلك كسخونة (21) الماء الغريبة إذا كانت قوية بعد ، فإنها مانعة عن أن (22) تنبعث عن طبيعة الماء برده الطبيعى. فإنا نعلم أن الميل الغريب يستولى على الميل الطبيعى ويعدمه ، ويمنع عنها (23) الحركة الطبيعية ، فيجوز أن يكون عند انتهاء الحركة بقية (24) من الميل الغريب ، بقدر ما يمنع القوة الطبيعية عن إحداث الميل الطبيعى ، ويكون أضعف من أن يقوى (25) مع تلك (26) الممانعة على التحريك فى تلك الجهة ، بل يضعف عن التحريك ، فلا يحرك ، ولا يضعف عن ممانعة الطبيعة من إحداث الميل (27). فإن الميل الغريب يقوى على التحريك غالبا للقوة الطبيعية ، ولا القوة الطبيعية تقوى على إحداث
Halaman 294