* بسم الله الرحمن الرحيم
* الفن الأول من الطبيعيات فى السماع الطبيعى * وهو أربع مقالات (1) (2) (3)
وإذ قد (4) فرغنا بتيسير الله وعونه مما وجب تقديمه فى كتابنا هذا ، وهو تعليم اللباب من صناعة المنطق ، فحرى بنا أن نفتتح الكلام فى تعليم العلم الطبيعى على النحو الذي تقرر عليه رأينا وانتهى إليه نظرنا ، وأن نجعل الترتيب فى ذلك المقام (5) مقارنا (6) للترتيب الذي تجرى عليه فلسفة المشائين ، فنشدد (7) فيما هو أبعد عن (8) البداية والنظر الأول (9)، والمخالف فيه أبعد من الجاحد (10)؛ ونتساهل فيما (11) نفس الحق تكشف عن صورته ، ونشهد (12) على المخالف (13) بمرائه وجحده ، وأن لا يذهب عمرنا فى مناقضة (14) كل مذهب أو العدول عن الاقتصاد فى مناقضته على البلاغ. فكثيرا ما نرى المتكلمين فى العلوم إذا تناولوا بنقضهم مقالة واهية ، أو أكبوا (15) ببيانهم على مسألة يلحظ الحق فيها عن كثب ،
Halaman 3
نفضوا كل قوة ، وحققوا كل قسمة ، وسردوا (1) كل حجة ، فإذا تلججوا فى المشكل وخلصوا إلى جانب (2) المشتبه ، مروا عليه (3) صفحا.
ونحن (4) نرجو أن يكون وراء (5) ذلك (6) سبيل مقابلة (7) لسبيلهم ، ونهج معارض لنهجهم ، ونجتهد ما أمكن فى أن ننشر عمن قبلنا الصواب ، ونعرض صفحا عما نظنهم سهوا فيه ، وهذا هو الذي صدنا عن شرح كتبهم وتفسير نصوصهم ؛ إذ لم نأمن الانتهاء إلى مواضع يظن أنهم سهوا فيها ، فنضطر إلى تكلف اعتذار عنهم ، أو اختلاق حجة وتمحلها لهم ، أو إلى مجاهرتهم (8) بالنقض. وقد أغنانا الله عن ذلك ، ونصب له (9) قوما بذلوا طوقهم فيه (10) وفسروا كتبهم ، فمن اشتهى الوقوف على ألفاظهم ، فشروحهم تهديه وتفاسيرهم تكفيه ، ومن نشط للعلم والمعانى (11)، فسيجدها فى تلك الكتب منثورة (12) وبعض ما أفاده (13) مقدار بحثنا مع قصر عمرنا فى هذا (14)، الكتب التي (15) عملناها وسميناها كتاب الشفاء لى وتأييدنا ومجموعا. والله عصمتنا ، ومن هاهنا نشرع فى غرضنا متوكلين عليه.
Halaman 4
* المقالة الأولى (1) * فى الأسباب والمبادئ للطبيعيات
* خمسة عشر فصلا (2) (3)
(ا) فى تعريف الطريق الذي يتوصل منه إلى العلم بالطبيعيات من مباديها.
(ب) فى تعديل البادى للطبيعيات على سبيل المصادرة والوضع.
(ج) فى كيفية كون هذه المبادئ مشتركة.
(د) فى تعقيب برمانيدس وماليسوس فى أمر مبادئ الوجود.
(ه) فى تعريف الطبيعة.
(و) فى نسبة الطبيعة إلى المادة والصورة والحركة.
(ز) فى ألفاظ مشتقة من الطبيعة وبيان أحكامها.
(ح) فى كيفية بحث العلم الطبيعى ومشاركاته بعلم آخر إن كان يشاركه.
(ط) فى تعريف أشد العلل اهتماما للطبيعى فى بحثه.
(ى) فى تعريف أصناف علة علة من الأربع. (4)
Halaman 5
(ك) فى مناسبات العلل.
(ل) فى أقسام أحوال العلل.
(م) فى ذكر البخت والاتفاق والاختلاف فيهما وإيضاح حقيقة حالهما.
(ن) فى نقض حجج من أخطأ فى باب الاتفاق والبخت ونقض مذهبهم.
(س) فى أحوال العلل فى المباحث وطلب اللم والجواب عنه. (1)
Halaman 6
* [الفصل الأول] ا فصل * فى تعريف الطريق الذي يتوصل منه الى العلم بالطبيعيات من مبادئها
قد علمتم من الفن الذي فيه علم البرهان ، الذي لخصناه ، أن العلوم منها كلية ، ومنها جزئية ، وعلمتم مقايسات بعضها إلى بعض ، فيجب أن تعلموا الآن أن العلم (2) الذي نحن فى تعليمه هو العلم الطبيعى ، وهو علم جزئى بالقياس (3) إلى ما نذكره فيما بعد ؛ وموضوعه ، إذ قد علمتم أن لكل علم موضوعا هو الجسم المحسوس من جهة ما هو واقع فى التغير (4)، والمبحوث عنه فيه هو الأعراض اللازمة له من جهة ما هو هكذا (5)، وهى (6) الأعراض التي تسمى ذاتية ، وهى اللواحق التي تلحقه بما هو هو ، سواء (7) كانت صورا أو أعراضا أو مشتقة منهما ، على ما فهمتم.
والأمور الطبيعية هى هذه الأجسام من هذه الجهة ، وما يعرض لها من حيث هى بهذه (8) الجهة ، وتسمى كلها طبيعيا بالنسبة إلى القوة التي تسمى طبيعة ، التي ستعرفها بعد. فبعضها موضوعات لها ، وبعضها آثار وحركات وهيئات تصدر عنها. فإن كان للأمور الطبيعية مبادئ وأسباب وعلل ، ولم يتحقق العلم الطبيعى إلا منها (9)، فقد شرح فى تعليم البرهان ، أنه لا سبيل إلى تحقق معرفة الأمور ذوات المبادئ إلا بعد الوقوف على مبادئها والوقوف من مبادئها عليها وأن (10) هذا النحو (11) من التعليم أو التعلم (12) هو الذي يتوصل منه إلى تحقق المعرفة بالأمور ذوات المبادئ.
وأيضا إن كانت الأمور الطبيعية ذوات مبادئ فلا يخلو إما أن تكون تلك المبادئ لجزئى جزئى منها ولا تشترك كافتها فى المبادئ ، فحينئذ لا يبعد أن يفيد العلم الطبيعى إثبات إنية هذه المبادئ وتحقيق ماهيتها معا. (13)
Halaman 7
وإن كانت الأمور الطبيعية تشترك فى مبادئ أول تعم جميعها ، وهى التي تكون مبادئ لموضوعها المشترك ولأحوالها المشتركة لا محالة ، فلا يكون إثبات (1) هذه المبادئ إن كانت محتاجة إلى الإثبات على (2) صناعة الطبيعيين كما علم فى الفن المكتوب فى علم البرهان ، بل على (3) صناعة أخرى. وأما قبول وجودها وضعا ، وتصور ماهيتها تحقيقا فيكون على الطبيعى.
وأيضا إن كانت الأمور الطبيعية ذوات مبادئ عامة لجميعها ، وذوات مبادئ أخص منها ، يكون مثلا لجنس من أجناسها ، مثل مبادئ النامية (4) منها ذوات (5) مبادئ أخص من الأخص تكون مثلا لنوع من أنواعها مثل مبادئ النوع الإنسانى منها ، وكانت (6) أيضا ذوات عوارض ذاتية عامة لجميعها ، وأخرى عامة لجنس ، وأخرى عامة لنوع. فإن وجه التعليم والتعلم العقلى فيها (7) أن يبتدأ (8) بما هو أهم ، ونسلك إلى ما هو أخص. لأنك تعلم أن الجنس (9) جزء حد النوع ، فتعرف الجنس بحب أن يكون أقدم من تعرف النوع لأن المعرفة بجزء الحد قبل المعرفة بالحد ، وتصوره قبل الوقوف على المحدود. وإذ (10) كنا نعنى (11) بالحد ما يحقق ماهية المحدود ، فإذا كان كذلك فالمبادئ التي للأمور العامة بحب أن تعرف (12) أولا حتى تعرف الأمور العامة ، والأمور العامة يجب أن تعرف أولا حتى تعرف الأمور الخاصة.
فيجب أن نبتدئ فى التعليم من المبادئ التي للأمور العامة ، إذ الأمور العامة ، أعرف عند عقولنا ، وإن لم تكن أعرف عند الطبيعة ، أى لم تكن الأمور المقصودة فى الطباع لتتمة (13) الوجود بذاتها. فإن المقصود فى الطبيعة ليس أن يوجد حيوان مطلقا (14) ولا جسم مطلقا (15)، بل أن توجد طبائع النوعيات ، والطبيعة النوعية إذا وجدت فى الأعيان كان (16) شخصا ما.
فالمقصود إذن أن توجد طبائع النوعيات أشخاصا ما فى الأعيان ، وليس المقصود هو الشخص العين إلا فى الطبيعة الجزئية الخاصة بذلك الشخص. ولو كان المقصود هنا الشخص العين ، لكان الوجود ينتقص (17) نظامه بفساده وعدمه ، كما لو كان المقصود هو الطبيعة العامة والجنسية (18)، لكان الوجود والنظام يتم بوجوده (19) (20)
Halaman 8
مثل وجود جسم كيف كان أو حيوان كيف كان. فما أقرب إلى (1) البيان أن المقصود هو طبيعة النوع (2) لتوجد شخصا ، وإن لم يعين وهو الكامل ، وهو (3) الغاية الكلية. فالأعرف عند الطبيعة هو هذا ، وليس هو أقدم بالطبع إن عنينا بالأقدم ما قيل فى قاطيغورياس ، ولم نعن بالأقدم الغاية. والناس كلهم كالمشتركين فى معرفة الطبائع العامة والجنسية ، وإنما يتميزون بأن بعضهم يعرف النوعيات وينتهى إليها ويمعن فى التفصيل ، فبعضهم (4) يقف عند الجنسيات ، وبعضهم مثلا يعرف الحيوانية ، وبعضهم يعرف الإنسانية أيضا والفرسية.
وإذا انتهت المعرفة إلى الطبائع النوعية وما يعرض لها ، وقف البحث ولم ينل بما يفوتها من معرفة الشخصيات ولا مالت إليها نفوسنا (5) البتة (6). فبين أنا إذا قايسنا ما بين الأمور العامة والخاصة ، ثم قايسنا بينهما معا (7) وبين العقل وجدنا الأمور العامة أعرف عند العقل. وإذا قايسنا بينهما معا وبين نظام الوجود والأمر المقصود فى الطبيعة الكلية ، وجدنا الأمور النوعية أعرف عند الطبيعة ، وإذا قايسنا بين الشخصيات المعينة وبين الأمور النوعية ونسبناها إلى العقل ، لم نجد للشخصيات المعينة عند العقل مكان تقدم وتأخر إلا أن تشترك القوة الخامسة التي (8) فى الباطن.
فحينئذ تكون الشخصيات أعرف عندنا من الكليات ، فإن الشخصيات ترتسم فى القوة الحاسة التي فى الباطن ، ثم يقتبس منه العقل المشاركات والمباينات فينتزع طبائع العاميات النوعية. وإذا نسبناهما إلى الطبيعة وجدنا العامية (9) النوعية أعرف وإن كان ابتداء فعلها من الشخصيات المعينة. فإن (10) الطبيعة إنما تقصد من وجود الجسم أن يتوصل به إلى وجود الإنسان وما يجانسه ، ويقصد من وجود الشخص المعين الكائن الفاسد ، أن تكون طبيعة النوع موجودة ، وإذا أمكنها حصول هذا الفرض فى شخص واحد وهو الذي تكون مادته غير مذعنة للتغير والفساد ، لم يحتج إلى أن يوجد للنوع شخص آخر كالشمس والقمر وغيرهما. على أن الحس (11) والتخيل فى إدراكهما للجزئيات أيضا يبتدئان أول شيء من تصور شخص هو أكثر مناسبة للمعنى العامى حتى يبلغ تصور الشخص الذي هو شخص صرف (12) من كل وجه.
وأما بيان كيفية هذا ، فهو أن الجسم معنى عام ، وله بما هو جسم أن يتشخص ، فيكون هذا الجسم (13)
Halaman 9
والحيوان أيضا معنى (1) عام وأخص (2) من الجسم ، وله بما هو حيوان أن يتشخص ، فيكون هذا الحيوان والإنسان أيضا معنى عام (3) وأخص من الحيوان ، وله بما هو إنسان (4) أن يتشخص ، فيكون هذا الإنسان.
فإذا نسبنا هذه المراتب إلى القوة المدركة ، وراعينا فى ذلك نوعين من الترتيب ، وجدنا ما هو أشبه بالعام وأقرب مناسبة له هو أعرف. فإنه ليس يمكن أن يدرك بالحس والتخيل أن هذا هو هذا (5) الحيوان ، إلا وأدرك أنه (6) هذا الجسم ، وأن يدرك أنه هو هذا الإنسان إلا وأدرك أنه هذا الحيوان وهذا الجسم ، وقد يدرك أنه هذا الجسم إذا لمحه من بعيد ولا يدرك أنه هذا الإنسان.
فقد بان ووضح أن حال الحس أيضا من هذه الجهة كحال العقل ، وأن ما يناسب العام أعرف فى ذاته أيضا عند الحس. وأما فى الزمان ، فإن التخيل إنما يستفيد من الحس شخصا (7) من النوع غير محدود بخاصيته. فأول ما يرتسم فى خيال الطفل من الصور التي يحسها على سبيل تأثر من تلك الصور فى الخيال (8) هو صورة شخص رجل أو شخص امرأة (9) من أن يتميز رجل هو أبوه عن رجل ليس هو أباه ، وامرأة هى أمه عن امرأة ليست هى بأمه ، ثم يتميز عنده رجل هو أبوه ورجل ليس هو أباه ، وامرأة (10) هى أمه وامرأة ليست هى أمه (11)، ثم لا يزال تنفصل الأشخاص عنده يسيرا يسيرا. وهذا الخيال الذي يرتسم فيه مثلا من الشخص الإنسانى مطلقا غير مخصص ، هو خيال المعنى الذي يسمى منتشرا وإذا قيل شخص منتشر لهذا ، وقيل شخص منتشر لما ينطبع فى الحس من شخص لا محالة من بعيد إذا ارتسم أنه جسم من غير إدراك حيوانية أو إنسانية (12) فإنما يقع عليهما (13) اسم الشخص المنتشر باشتراك الاسم. وذلك أن المفهوم من لفظ الشخص المنتشر بالمعنى الأول هو أنه شخص ما من أشخاص (14) النوع الذي ينسب إليه ، غير معين كيف كان وأى شخص كان ، وكذلك رجل ما (15) وامرأة ما. فيكون كأن معنى الشخص وهو كونه غير منقسم إلى عدة من يشاركه فى الحد قد انضم إلى معنى الطبيعة الموضوعة للنوعية (16) أو للصنفية (17) وحصل منهما معنى واحد يسمى شخصا منتشرا غير معين ، (18)
Halaman 10
كأنه ما يدل عليه قولنا حيوان ناطق مائت هو واحد ، ولا يقال (1) على كثرة ويحد (2) بهذا (3) الحد فيكون حد الشخصية مضافا إلى حد طبيعة (4) النوعية. وبالجملة هذا هو شخص غير معين. وأما الآخر فهو هذا الشخص الجسمانى المعين ولا يصلح أن يكون غيره ، إلا أنه يصلح عند الذهن أن يضاف إليه معنى الحيوانية أو معنى الجمادية لشك الذهن ، لا لأن (5) الأمر فى نفسه صالح لأن يضاف إلى تلك الجسمية ، أى المعنيين منهما كان.
فالشخص المنتشر بالمعنى الأول ، يصلح عند الذهن أن يكون فى الوجود أى شخص كان من ذلك الجنس أو النوع الواحد. وبالمعنى (6) التالى ليس يصلح فى الذهن أن يكون أى شخص كان من ذلك (7) النوع ، بل لا يكون غير هذا الواحد المعين لكنه (8) يصلح عند الذهن صلوح الشك والتجويز أن يتعين (9) بحيوانية معينة مثلا دون جمادية (10) معنه أو جمادية دون حيوانية (11)، تعينا (12) بالقياس إليه بعد حكمه أنه فى نفسه لا يجوز أن يكون صالحا للأمرين بل هو أحدهما متعينا (13). هذا (14) وهاهنا مقايسة أيضا بين العلل والمعلولات ، ومقايسة بين الأجزاء البسيطة والمركبات.
فإذا كانت العلل داخلة فى قوام المعلولات وكالأجزاء لها ، مثل حال الخشب والشكل بالقياس إلى السرير ، فإن نسبتهما (15) إلى المعلولات نسبة البسائط إلى المركبات. وأما إذا كانت العلل مباينة للمعلولات ، مثل النجار للسرير ، فهناك (16) نظر آخر ، ولكلتا المقايستين نسبة إلى الحس وإلى العقل وإلى الطبيعة. فأما المقايسة ما بين الحس وبين العلل والمعلولات على أن العلل مباينة ، فإن كانت العلل والمعلولات محسوسة ، فلا كثير تقدم وتأخر لأحدهما على (17) الآخر حسا ، وإن كانت (18) غير محسوسة فلا نسبة لأحدهما إلى الحس وكذلك حكم الخيال.
وأما عند العقل ، فإن العقل ربما وصلت إليه العلة قبل المعلول. فسلك من العلة إلى المعلول ، كما إذا رأى الإنسان القمر مقارنا لكوكب (19) درجته عند الجوزهر ، وكانت الشمس فى الطرف (20) الآخر من القطر فحكم (21) العقل بالكسوف ، وكما إذا علم أن المادة متحركة إلى عفن فيعلم (22) أن الحمى كائنة. وربما وصل إليه المعلول
Halaman 11
قبل العلة فسلك المعلول إلى العلة. وقد يعرف المعلول من (1) قبل العلة تارة من طريق الاستدلال ، وتارة من طريق الحس ، وربما عرف أولا معلولا فسلك (2) منه (3) إلى العلة ثم سلك من العلة إلى معلول (4) آخر ، وكأنا قد أوضحنا هذه المعانى فى تعليمنا لصناعة البرهان.
وأما مناسبة هذه العلل المفارقة للمعلولات بحسب القياس إلى الطبيعة ، فإن ما كان منها علة على أنه (5) غاية فهو أعرف عند الطبيعة ، وما كان منها علة على أنه فاعل وكان فاعلا لا على أن وجوده ليكون فاعلا لما يفعله فإنه أعرف عند الطبيعة من المعلول ، وما كان وجوده فى الطبيعة ليس لذاته بل ليفعل (6) ما يكون عنه حي يكون المفعول غاية لا له فى فعله فقط بل له فى وجود ذاته إن كان ما فى الطبيعة شيء هذا صفته ، فليس هو أعرف من المعلول ، بل المعلول أعرف فى (7) الطبيعة منه.
وأما نسبة أجزاء المركبات إلى المركبات منها فإن المركب أعرف بحسب (8) الحس ، إذ (9) الحس يتناول أولا الجملة ويدركها ثم يفصل ، وإذا تناول الجملة تناولها بالمعنى الأعم أى أنه جسم أو حيوان ثم يفصلها. وأما عند العقل فإن البسيط أقدم من المركب ، فإنه لا يعرف طبيعة المركب إلا بعد (10) أن يعرف بسائطه ، فإن لم يعرف بسائطه فقد (11) عرفه بعرض من أعراضه أو جنس من أجناسه ولم يصل إلى ذاته ، كأنه عرفه مثلا جسما مستديرا أو نقيلا وما أشبه (12) ذلك ولم يعرف ماهية جوهره. (13)
وأما عند الطبيعة ، فإن المركب هو المقصود فيها (14) فى أكثر الأشياء والأجزاء ، يقصدها (15) ليحصل فيها (16) قوام المركب ، فالأعرف عند العقل من الأمور العامة والخاصة من الأمور البسيطة والمركبة هو العامة والبسيطة وعند الطبيعة هو الخاصة النوعية والمركبة. لكنه كما أن (17) الطبيعة تبتدئ فى الإيجاد (18) بالعوام (19) والبسائط ، ومنها توجد ذوات المفصلات النوعية وذوات المركبات. فكذلك (20) التعلم (21) يبتدئ من العوام والبسائط ، ومنها يوجد العلم بالنوعيات والمركبات ، وكلاهما يقف قصده (22) الأول عند حصول النوعيات والمركبات.
Halaman 12
* [الفصل الثاني] (1) ب فصل * فى تعديد (2) المبادئ للطبيعيات على سبيل المصادرة والوضع
(3) ثم إن للأمور (4) الطباعية مبادئ ، وسنعدها ونضعها وضعا على ما هو الواجب فيها ، ونعطى ماهياتها. فنقول.
إن الجسم الطبيعى هو الجوهر الذي يمكن أن يفرض فيه امتداد ، وامتداد (5) آخر مقاطع له على قوائم ، وامتداد ثالث مقاطع لهما جميعا (6) على قوائم. وكونه بهذه الصفة هو الصورة التي بها صار (7) جسما. وليس الجسم جسما بأنه ذو (8) امتدادات ثلاثة مفروضة ، فإن الجسم يكون موجودا جسما وثابتا وإن غيرت (9) الامتدادات (10) الموجودة فيه بالفعل فإن الشمعة أو قطعة من الماء قد تحصل فيها أبعاد بالفعل طولا وعرضا وعمقا محدودة (11) بأطرافها ، ثم إذا استبدل شكلا بطل كل واحد من أعيان تلك الأبعاد المحدودة وحصلت أبعاد وامتدادات أخرى ، والجسم باق بجسميته لم يفسد (12) ولم يتبدل ، والصورة التي أوجبناها له وهى أنه بحيث يمكن أن تفرض فيه تلك الامتدادات ثابتة لا تبطل.
وقد أشير لك (13) إلى هذا فى غير هذا الموضع ، وعلمت أن هذه الامتدادات المعينة هى كمية أقطاره وهى تلحقه وتتبدل ، وصورته وجوهره لا تتبدل ، وهذه الكمية ربما تبعت تبدل أعراض فيه أو صور ، كالماء يسخن فيزداد حجما. لكن هذا الجسم الطبيعى من حيث هو جسم طبيعى له مبادئ ومن حيث هو كائن فاسد (14) بل متغير بالجملة له زيادة فى المبادئ. فالمبادئ (15) التي بها تحصل جسميته ، منها ما هو أجزاء من وجوده وحاصلة فى ذاته ، وهذه أولى عندهم بأن تسمى مبادئ ، وهى اثنان (16): أحدهما قائم منه مقام الخشب من السرير ، والآخر قائم منه مقام صورة السريرية وشكلها (17) من السرير. فالقائم منه مقام الخشب من السرير (18) يسمى هيولى وموضوعا
Halaman 13
ومادة وعنصرا واسطقسا بحسب اعتبارات مختلفة ، والقائم منها مقام صورة السريرية (1) يسمى صورة . فإذن (2) صورة الجسمية إما متقدمة لسائر الصور (3) التي للطبيعيات وأجناسها (4) وأنواعها ، وإما مقارنة لها لا تنفك هى عنها. (5) فيكون هذا الذي هو للجسم كالخشب للسرير ، هو أيضا لسائر ذوات تلك الصور (6) لهذه (7) المنزلة ، إذ كلها متقررة الوجود مع الجسمية فيه ، فيكون ذلك جوهرا إذا نظر إلى ذاته غير مضاف إلى شيء وجد (8) خاليا فى نفسه عن (9) هذه الصور (10) بالفعل ، ويكون من شأنه أن يقبل هذه الصورة (11) أو يقترن بها (12). أما من شأن طبيعته (13) المطلقة الكلية كأنها جنس لنوعين : للمتقدمة (14) وللمقارنة (15)، وكل واحد منهما (16) يختص بقبول بعض (17) الصور دون بعض بعد الجسمية وأما من شأن طبيعة (18) هى بعينها مشتركة للجميع ، فتكون بكليتها من شأنها أن تقبل كل هذه الصور بعضها مجتمعة تتعاقب (19)، وبعضها متعاقبة فقط ، فيكون فى طبيعتها مناسبة ما مع الصور على أنه قابل لها وتكون هذه المناسبة كأنها (20) رسم فيها وظل خيال من الصورة (21)، وتكون الصورة هى التي تكمل هذا الجوهر بالفعل.
فليوضع (22) أن للجسم بما هو هيولى (23)، ومبدأ هو صورة ، إن شئت صورة جسمية مطلقة أو شئت (24) صورة نوعية من صور الأجسام ، وإن شئت صورة عرضية ، إذا أخذت الجسم من حيث هو كالأبيض أو القوى أو الصحيح. وليوضع له أن (25) هذا الذي هو هيولى لا يتجرد (26) عن الصورة قائما بنفسه (27) البتة ، ولا يكون موجودا (28) بالفعل إلا بأن تحصل الصورة فيوجد (29) بها بالفعل ، وتكون الصورة التي تزول عنه (30)، لو لا أن زوالها إنما هو مع حصول صورة أخرى تنوب عنها وتقوم مقامها ، تفسد (31) منها الهيولى بالفعل. وهذه (32) الهيولى من جهة أنها بالقوة قابلة (33) لصورة أو لصور (34) فتسمى (35) هيولى لها ، ومن جهة أنها بالفعل حاملة لصورة فتسمى فى هذا الموضع موضوعا لها. وليس معنى الموضوع هاهنا معنى الموضوع الذي أخذناه فى المنطق جزء رسم الجوهر (36)، فإن الهيولى
Halaman 14
لا تكون موضوعا بذلك المعنى البتة ، هذا ومن جهة أنها مشتركة للصور كلها تسمى مادة وطينة ، ولأنها تنحل (1) إليها بالتحليل (2). فتكون (3) هى الجزء (4) البسيط القابل للصورة من جملة المركب تسمى اسطقسا ، وكذلك كل ما يجرى فى ذلك مجراها ، ولأنها يبتدئ منها التركيب فى هذا المعنى بعينه تسمى عنصرا ، وكذلك كل ما يجرى فى ذلك مجراها (5) وكأنها (6) إذا ابتدئ منها تسمى عنصرا وإذا ابتدئ من المركب وانتهى إليها تسمى اسطقسا ، إذ الاسطقس هو أبسط أجزاء المركب.
فهذه هى المبادئ (7) الداخلة فى قوام الجسم. وللجسم مبادئ فاعلة (8) وغائبة.
والفاعلة (9) هى التي طبعت الصورة التي للأجسام فى مادتها ، فقومت المادة بالصورة وقومت منهما (10) المركب (11) يفعل بصورته وينفعل بمادته.
والغائية هى التي لأجلها ما طبعت هذه الصور فى المواد (12).
ولما كان كلامنا هاهنا فى المبادئ المشتركة ، فيكون (13) الفاعل المأخوذ هاهنا هو المشترك ، والغاية المعبرة (14) هاهنا هى المشترك (15) فيها. والمشترك (16) فيه هاهنا يعقل على نحوين : أحدهما أن يكون الفاعل مشتركا فيه على أنه يفعل الفعل الأول الذي يترتب عليه سائر الأفاعيل ، كالذى يفيد المادة الأولى الصورة (17) الجسمية الأولى إن كان شيء كذلك على ما نعلمه فى موضعه فيكون يفيد (18) الأصل الأول ، ثم من بعد ذلك يتم كون ما بعده ، وتكون الغاية مشتركا فيها بأنها الغاية التي يؤمها (19) جميع الأمور الطبيعية إن كانت غاية لذلك (20) (21)، على ما نعلمه فى موضعه. وهذا نحو.
والنحو الآخر أن يكون المشترك (22) فيه (23) بنحو العموم كالفاعل الكلى المقول على كل واحدة من الفاعلات الجزئية للأمور الجزئية والغاية الكلية المقولة على كل واحدة (24) من الغايات الجزئية للأمور الجزئية.
Halaman 15
والفرق بين الأمرين أن المشترك بحسب المعنى الأول يكون فى الوجود ذاتا واحدة بالعدد (1) يشير العقل إليها بأنها (2) هى ، من غير أن يجوز فيها قولا على كثيرين ، والمشترك بحسب المعنى الثاني لا يكون فى الوجود ذاتا واحدة ، بل أمرا معقولا يتناول ذواتا كثيرة تشترك عند العقل فى أنها فاعلة أو غاية ، فيكون هذا المشترك مقولا على كثيرين :
فالمبدأ الفاعلى (3) المشترك للجميع بالنحو الأول إن كان للطبيعيات مبدأ فاعلى من هذا النحو ، فلا يكون طبيعيا ، إذ كان كل طبيعى فهو بعد هذا المبدأ ، وهو منسوب إلى جميعها بأنه مبدؤه لأنه (4) طبيعى. فلو كان المبدأ طبيعيا لكان حينئذ مبدأ (5) لنفسه ، وهذا محال ، أو يكون المبدأ (6) الفاعلى (7) غيره ، وهذا خلف. فإذا كان كذلك لم يكن للطبيعى بحث (8) عنه بوجه إذا (9) كان لا يخالط (10) الطبيعيات بوجه (11)، وعساه أن (12) يكون مبدأ للطبيعيات ولموجودات غير الطبيعيات ، فتكون عليته أعم وجودا من علية (13) ما هو علة للأمور الطبيعية خاصة ، ومن الأمور التي لها نسبة خاصة إلى الطبيعيات إن كان (14) شيء كذلك.
نعم ، قد يجوز أن تكون فى جملة الأمور الطبيعية ما هو مبدأ فاعلى لجميع الطبيعيات غير نفسه ، لا مبدأ فاعلى لجميع الطبيعيات مطلقا ، والمبدأ الفاعلى المشترك بالنحو الآخر. فلا عجب لو بحث الطبيعى عن حاله ، ووجه ذلك البحث أن يتعرف (15) حال كل ما هو مبدأ فاعلى لأمر من أمور الطبيعية (16) أنه كيف قوته وكيف تكون (17) نسبته إلى معلوله فى القرب والبعد والموازاة والملاقاة وغير ذلك ، وأن يبرهن عليه. فإذا فعل ذلك ، فقد عرف طبيعة الفاعل العام المشترك للطبيعيات بهذا (18) النحو ، إذ (19) عرف الحال التي تخص ما هو فاعل فى الطبيعيات (20) وعلى هذا القياس فاعرف حال المبدأ الغائى.
وأما أن المبادئ هى هذه الأربعة وسيفصل (21) الكلام فيها بعد ، فهو موضوع للطبيعى مبرهن (22) عليه فى الفلسفة الأولى. هذا ، وأما الجسم من جهة ما هو متغير أو مستكمل أو حادث كائن ، فإن له زيادة مبدأ ، وكونه
Halaman 16
متغيرا هو (1) غير كونه مستكملا. والمفهوم من كونه حادثا وكائنا هو غير المفهوم من كليهما جميعا. فإن المفهوم من كونه متغيرا هو (2) أنه كان بصفة حاصلة بطلت (3) وحدثت له صفة أخرى فيكون هناك شىء ثابت هو المتغير وحالة كانت موجودة فعدمت وحالة كانت معدومة فوجدت.
فبين أنه لا بد له من حيث هو متغير من أن يكون له أمر قابل لما تغير عنه ولما تغير (4) إليه ، وصورة حاصلة وعدم لها كان مع الصورة الزائلة ، كالثوب الذي اسود (5) والبياض والسواد ، وقد كان السواد معدوما إذ (6) كان البياض موجودا. والمفهوم من كونه مستكملا ، هو أن يحدث له أمر لم يكن فيه من غير زوال شىء عنه مثل الساكن يتحرك ، فإنه حين ما كان ساكنا لم يكن إلا عادما للحركة التي هى موجودة له بالإمكان والقوة فلما تحرك لم يزل منه شىء إلا العدم فقط ، ومثل اللوح الساذج كتب فيه. والمستكمل لا بد أن يكون له ذات وجدت ناقصة ، ثم كملت ، وأمر حصل فيه وعدم تقدمه ، فإن العدم شرط فى أن يكون الشىء متغيرا أو مستكملا ، فإنه لو لم يكن هناك عدم لاستحال أن يكون مستكملا أو متغيرا بل كان يكون الكمال والصورة حاصلة له دائما. فإذن المتغير والمستكمل يحتاج إلى أن يكون قبله عدم حتى يتحقق كونه متغيرا أو مستكملا. والعدم ليس يحتاج (7) فى أن يكون عدما إلى أن يحصل تغير أو استكمال. فرفع العدم (8) يوجب رفع المتغير
والمستكمل من حيث هو متغير ومستكمل ورفع المتغير والمستكمل لا يوجب رفع العدم. فالعدم من هذا الوجه أقدم ، فهو مبدأ إن كان كل ما كان (9) لا بد من وجوده أى وجود كان ليوجد شىء آخر من غير انعكاس مبدأ وإن كان ذلك لا يكفى فى كون الشىء مبدأ. ولا يكون المبدأ كل ما لا بد من وجوده للأمر (10) أى وجود (11) كان ، بل ما لا بد من وجوده مع الأمر الذي هو له (12) مبدأ من غير تقدم ولا تأخر. فليس العدم مبدأ (13)، ولا فائدة لنا فى أن نناقش فى التسمية ، فلنستعمل بدل المبدأ المحتاج إليه من غير انعكاس ، فنجد القابل للتغير والاستكمال ونجد العدم ونجد (14) الصورة كلها ، محتاجا إليه (15) فى أن يكون الجسم متغيرا أو مستكملا. وهذا يتضح لنا بأدنى تأمل.
والمفهوم من كون الجسم كائنا وحادثا يضطرنا إلى إثبات أمر حدث وإلى عدم سبق. وأما أن (16) هذا الحادث وهذا الكائن هل يحتاج إلى (17) أن يتقدم كونه وحدوثه وجود جوهر كان مقارنا لعدم الصورة الكائنة
Halaman 17
ثم فارقه وبطل عنها العدم ، فهو أمر ليس ييسر (1) لنا عن قريب بيان ذلك ، بل يجب أن نضعه للطبيعى (2) وضعا ونقنعه بالاستقراء ونبرهن عليه فى الفلسفة الأولى (3).
ووبما قامت (4) صناعة الجدل فى إفادة نفس المتعلم طرفا صالحا من السكون إليه (5). إلا أن الصنائع البرهانية لا تخلط بالجدل. فالجسم له من المبادئ التي ليست مفارقة له ولما فيه بالقوام ، وإياها (6) نخص باسم المبادئ. أما من حيث أنه (7) جسم مطلقا فالهيولى والصورة الجسمية المذكورة التي يلزمها الكميات العرضية أو الصورة (8) النوعية التي تكمله ، وأما (9) من حيث هو متغير أو مستكمل أو كائن فقد زيد له نسبة (10) العدم (11) المقارن (12) لهيولاه قبل كونه ويكون مبدأ على ما قيل. فإن أخذنا ما يعم المتغير والمستكمل والكائن كانت المبادئ هيولى وهيأة وعدما (13)، وإن خصصنا المتغير كانت المبادئ (14) هيولى ومضادة. فإن المتوسط إنما يتغير عنه وإليه من حيث فيه ضدية ما ، ويشبه أن يكون الفرق بين المضادة والهيئة والعدم مما قد عرفته ، ويحصل لك بما علمت (15). والجوهر من حيث هو جوهر فهيئة (16) صورة ، وقد عرفناك الفرق بين الصورة والعرض. وأما المتغيرات والمستكملات لا فى الجوهرية فهيئاتها عرض ، وقد جرت العادة أن تسمى كل هيئة فى هذا الموضع صورة. فلنسم كل هيئة صورة ونعنى ونعنى به كل أمر يحدث (17) فى قابل يصير له موصوفا بصفة مخصوصة ، والهيولى تفارق كل واحد منهما بأن (18) توجد مع كل واحد منهما بحالها (19)، والصورة تفارق العدم بأن الصورة ماهية (20) بنفسها زائدة الوجود على الوجود الذي للهيولى ، والعدم لا يزيد وجودا على الوجود الذي للهيولى (21)، بل تصحبه حال مقايسته إلى هذه الصورة إذا لم تكن موجودة ، وكانت القوة على قبولها موجودة. وهذا العدم ليس هو العدم المطلق ، بل عدم له نحو من الوجود ، فإنه عدم شىء مع تهيؤ واستعداد له فى مادة معينة ، فإنه ليس الإنسان يكون عن كل لا إنسانية (22) بل عن لا إنسانية فى قابل للإنسانية. فالكون (23) بالصورة لا بالعدم ، والفساد بالعدم لا بالصورة. وقد يقال إن
Halaman 18
الشيء كان عن الهيولى وعن العدم ، ولا يقال إنه (1) كان عن الصورة ، فيقال إن السرير كان عن الهيولى أى عن الخشب ويقال كان عن اللاسرير ، وفي كثير من المواضع يصح أن يقال إنه كان عن الهيولى ، وفي كثير منها لا يصح ودائما يقال إنه (2) كان عن العدم ، فإنه لا يقال كان عن الإنسان (3) كاتب ، بل يقال إن الإنسان كان كاتبا ، ويقال عن النطفة كان إنسان ، ويقال عن الخشب كان سرير ، والسبب في ذلك اما في النطفة فلأنها خلعت صورة (4) النطفية فيكون هاهنا لفظة «عن» تدل على معنى بعد كما تدل في قولهم «كان» عن العدم ، كما يقال إنه كان عن اللاإنسان (5) إنسان (6) أى بعد اللاإنسانية (7) وأما في الخشب فحيث يقال أيضا عن الخشب كان سرير فكان (8) الخشب ، وإن لم يخل عن صورة الخشب فقد خلا عن صورة ما إذا الخشب ما لم يتغير في صفة من الصفات وشكل من الأشكال بالنحت والنجر لا يكون عنه السرير ولا يتشكل بشكله ، فيشبه النطفة من وجه ، إذ كل منهما قد تغير عن حال فيستعمل فيه أيضا لفظة «عن».
فهذان الصنفان من الموضوعات والهيوليات يقال فيهما «عن» بمعنى (9) «بعد» ، وصنف من الموضوعات يستعمل فيه لفظة «عن» ولفظة «من» على معنى آخر. وبيان ذلك أنه إذا كانت موضوعات ما لصورة (10) من الصور إنما يوضع لها بالمزاج والتركيب ، فقد يقال إن الكائن يكون عنها ويدل بلفظة «عن» وبلفظة «من» على أن الكائن متقوم منها ، كقولنا كان (11) عن الزاج والعفص كان المداد. ويشبه أيضا أن يكون الصنف الأول يقال فيه لفظة «عن» بمعنى مركب من البعدية وهذا المعنى ، فإن النطفة والخشب كان عنها ما كان بمعنى أنه كان بعد أن كانت على حال ثم استل منهما (12) شيء وقوم به الكائن الذي قيل إنه كان عنهما (13) فما كان مثل النطفة والزاج فلا يقال فيه أنه كان الشيء الكائن ، فلا يقال أن النطفة كانت (14) إنسانا أو الزاج كان حبرا ، كما يقال إن الإنسان كان كاتبا إلا بنوع من المجاز وبمعنى (15) صار أن تغير. وما كان مثل الخشب فقد يقال فيه كلا الوجهين فيقال عن الخشب كان سرير ، وأن الخشب كان سريرا ، وذلك لأن الخشب من حيث هو خشب لا يفسد (16) فساد النطفة ، فيشبه الإنسان من حيث يقبل الكتابة ، ولكنه ما لم يخل شكلا لم يقبل شكل السرير ، فيشبه النطفة
Halaman 19
من حيث يستحيل إلى الإنسانية ، وحيث لا يصح من ذلك أن يقال فيه «عن» فإذا أضيف إليه العدم صح ، كما يقال عن الإنسان غير (1) الكاتب كان كاتب ، والعدم نفسه لا يصح فيه البتة أن يقال إلا مع لفظة «عن» فإنه لا يقال أن غير الكاتب (2) كان كاتبا وإلا فيكون كاتبا غير كاتب. نعم إن لم يعن بغير الكاتب نفس غير الكاتب ، بل الموضوع الموصوف بأنه غير كاتب ، فربما قيل ذلك ، وأما لفظة «عن» فيصح استعمالها فيه دائما.
على أنى لا أتشدد في هذا وما أشبهه ، فعسى اللغات تختلف في إباحة هذه الاستعمالات وخطرها ، بل أقول إذا عنى بلفظة «عن» المعنيان اللذان ذكرناهما ، جازا حيث أجزنا ، ولم يجز حيث لم نجوز (3). وقد يذكر في مثل هذا الموضع (4) حال شوق الهيولى إلى الصورة وتشبهها (5) بالأنثى وتشبه (6) الصورة بالذكر ، وهذا شيء لست أفهمه.
أما الشوق النفسانى فلا يختلف في سلبه عن الهيولى ، وأما الشوق التسخيرى الطبيعى الذي يكون انبعاثه على سبيل الانسياق (7)، كما للحجر إلى التسفل (8) ليستكمل (9) بعد نقص له في أينه الطبيعى (10)، فهذا الشوق أيضا بعيد عنه (11). فلقد (12) كان يجوز أن تكون الهيولى مشتاقة إلى الصورة (13)، لو كان هناك خلو عن الصور (14) كلها أو ملال (15) صورة مقارنة (16) أو فقدان القناعة بما يحصل من الصور المكملة إياها نوعا ، وكان لها أن تتحرك بنفسها إلى اكتساب الصورة (17) كما للحجر في اكتساب الأين ، إن كان فيها قوة محركة ، وليست خالية عن الصور كلها ، فلا يليق (18) بها الملال للصورة الحاصلة فيعمل في نقضها (19) ورفضها ، فإن حصول هذه الصورة إن كان موجبا للملال لنفس حصولها وجب أن لا يشتاق إليها وإن كان لمدة طالت ، فيكون الشوق عارضا لها بعد حين لا أمرا في جوهرها ويكون هناك سبب يوجبه (20). ولا يجوز أيضا (21) أن تكون غير قنعة بما يحصل ، بل مشتاقة إلى اجتماع الأضداد فيها ، فإن هذا محال ، والمحال ربما ظن أنه يشتاق إليه الاشتياق النفسانى.
وأما الاشتياق التسخيرى فإنما يكون إلى غاية في الطبيعة المكملة (22)، والغايات الطبيعية غير محالة ، ومع هذا ، فكيف يجوز أن تكون الهيولى تتحرك إلى الصورة ، وإنما تأتيها الصورة الطارئة من سبب يبطل صورتها
Halaman 20
الموجودة لا أنها تكسبها (1) بحركتها. ولو لم يجعلوا هذا الشوق إلى الصور (2) المقومة التي هى كمالات أولى. بل إلى الكمالات الثانية اللاحقة ، لكان تصور معنى هذا الشوق من المتعذر ، فكيف وقد جعلوا ذلك شوقا لها إلى الصورة المقومة؟
فمن هذه الأشياء يعسر على فهم هذا الكلام الذي هو أشبه بكلام الصوفية منه بكلام الفلاسفة ، وعسى أن يكون غيرى يفهم هذا الكلام حق الفهم ، فليرجع إليه فيه. ولو كان بدل الهيولى بالإطلاق هيولى ما (3) تستكمل (4) بالصورة الطبيعية (5) حتى يحدث من الصورة الطبيعية التي فيها لها (6) انبعاث نحو استكمالات تلك الصورة مثل الأرض في التسفل والنار في التصعد ، لكان لهذا الكلام وجه وإن (7) كان مرجع (8) ذلك الشوق إلى الصورة الفاعلة ، وأما هذا على (9) الإطلاق فلست (10) أفهمه.
* [الفصل الثالث (11) ] ج فصل * فى كيفية كون هذه المبادئ مشتركة (12)
لما كان نظرنا هذا إنما هو في المبادئ المشتركة ، فيحق علينا أن ننظر في هذه المبادئ الثلاثة المشتركة أنها على أى نحو من النحوين المذكورين تكون مشتركة. لكنه سيظهر لنا أن الأجسام منها ما هي قابلة للكون والفساد ، أى منها ماهيولاها (13) تستجد صورة وتخلى صورة ، ومنها ما ليست (14) قابلة للكون والفساد (15)، بل وجودها
Halaman 21
بالإبداع ، فإذا كان كذلك لم يكن لها (1) هيولى مشتركة على النحو الأول (2) من النحوين المذكورين ، فإنه لا يكون هيولى واحدة تارة تقبل صورة الكائنات الفاسدة ، وتارة تقبل صورة ما لا يفسد في طباعه (3) ولا له كون هيولانى. فإن (4) ذلك مستحيل ، بل ربما جاز أن تكون الهيولى المشتركة لمثل (5) الأجسام الكائنة الفاسدة التي يفسد بعضها من (6) بعض ، ويتكون بعضها من بعض ، كما سنبين من حال الأربعة التي (7) تسمى الاسطقسات ، اللهم إلا أن تجعل طبيعة (8) الموضوع التي لصورة (9) ما لا يفسد والموضوع لصورة ما يفسد طبيعة واحدة في نفسها صالحة لقبول كل صورة.
إلا أن ما يفسد قد عرض أن قارنته الصورة التي لا ضد لها ، فيكون السبب في أنها لا تكون ولا تفسد من من جهة صورتها (10) المانعة لمادتها عما في طباعها إلا (11) من جهة المادة المطاوعة. فإن كان كذلك ، وبعيد (12) أن يكون كذلك على ما سيتضح بعد فسيكون (13) حينئذ هيولى مشتركة بهذا الوجه. فالهيولى (14) المشتركة بهذا الوجه سواء كانت مشتركة للطبيعيات كلها أو للكائنات الفاسدة منها (15) فإنها متعلقة (16) بالإبداع ، وليست تكون من شيء (17) وتفسد (18) إلى (19) شيء (20)، وإلا كانت تحتاج إلى هيولى أخرى ، فتكون تلك مقدمة (21) عليها ومشتركة (22).
وأما هل للطبيعيات مبدأ صورى مشترك بالنحو الأول ، فليس يوجد لها من الصور ما نتو همه (23) أنه ذلك (24) إلا الصورة (25) الجسمية. فإن (26) كان تصرف الأجسام (27) في الكون والفساد إنما يكون فيما وراء الصورة الجسمية حتى تكون (28) مثلا (29) الصورة الجسمية التي في الماء ، إذا استحال هواء ، باقية بعينها في الماء ، فيكون (30) للأجسام بعد مبدأ صورى على هذه الصفة مشترك لها بالعدد ووجد بعده (31) مبادئ صورية يخص (32) كل واحد منها (33) واحد (34) منها ، وإن (35) كان الأمر ليس كذلك ، بل إذا فسدت المائية فسدت الجسمية التي كانت لهيولاه في (36) فساد المائية ، وحدثت
Halaman 22