هذه المادة مع استعدادها المزاجى نزرة يسيرة ، لانفعلت (1) عن الكيفية (2) الحاضرة دفعة ، ولم تحفظ صورتها المزاجية ريثما تبلغها الحركات الطبيعية إلى صورتها الكمالية ، بل مثل هذه المادة لا تتعلق بها قوة نفسانية مازجة (3).
فبين أن هذا القياس إنما ينتفع به فى الرد (4) على انكساغورس لا غير. وأما نحن فنقول (5): إن الجسم يمعن فى الانقسام على وجهين : أحدهما على سبيل الانفصال والانفكاك ، والثاني لا على سبيل الانفصال والانفكاك (6)، وقد علمت كلا الوجهين. فالذى يكون انقسامه لا على سبيل الانفصال والانفكاك وتباين الأجزاء ، بل العرض (7) يختص ببعضه. أو إضافة ما تختص به ، مثل مماسة أو موازاة أو غير ذلك ، فليس يجب من ذلك أن يكون الجسم البسيط يبلغ به الانقسام إلى حد (8)، يكون فى (9) ذلك الحد فاقد للصورة ، لأن تلك الصورة فاشية فى جميعه (10) مطابقة له ، ولو كان من أجزاء الجسم ما لا قسط له من صورته لصغره ، لكان بعد (11) أمثال (12) له فى حكمه يفنى الجسم ، أو يبقى أصغر منه وأبعد من احتمال تلك الصورة ، وكان حينئذ هذا الجسم منتظما من أجزاء ، ليس ولا واحد (13) منها على هذه الصورة ، وإنما تحصل هذه الصورة باجتماعها. والاجتماع بما هو اجتماع ، لا يفيد إلا العدد (14) وخواصه ، وبما هو اجتماع أجسام لا تفيد زيادة على (15) ما يفيده الاجتماع مطلقا ، إلا المقدار ولواحقه من الشكل (16) والوضع. وليس شيء من ذلك نارية (17) ولا أرضية (18) حتى تكون غير موجودة فى الأفراد ، وموجودة فى الجملة للاجتماع (19)، ولا هو أيضا كالمزاج ، فإن ذلك عن مختلفات الطبائع. ومع ذلك فالمزاج أيضا فاش عند ما يستقر فيما فيه يستقر وحكمه حكم الصورة البسيطة ، وهذا مما لا يحتاج فى إيضاحه إلى كثير سعى.
وإذا كان الأمر على هذه الصفة ، فواضح بين أن كل جزء من الماء ففيه مائية وأن الانقسام على هذا الوجه (20).
لا يجعل الجزء الصغير مخالفا للكل ، وأما الانقسام على النحو الآخر ، وهو على سبيل الانفصال والتباين ، فيشبه أن يكون الإفراط فى الصغر (21) يصير (22) سببا لأن لا يحفظ الجسم صورته. فإن الأجسام كلما صغرت ، ازدادت ، استعدادا (23) لأن يفعل فيها غيرها بسرعة ، وهذا شيء سيتضح لك.
فيشبه أن من الجسم إذا أفرط صغره وباين كليته استحال أن يبقى على صورته زمانا ، بل يستحيل من
Halaman 243