164

وأما في الممكن فعلى ظاهر ما يحكم به على الممكن فيما سلف هو أنه يصدق لا محالة جزئيه فيكون قولك كل إنسان لا واحد من الكاتبين قولا كاذبا أيضا، فإنه ليس كل إنسان كذلك بل بعض الناس الذين ليسوا بكاتبين أولئك هم الذين هم ولا شىء من الكاتبين، وأما البعض الكاتبون فليسوا ولا واحد من الكاتبين والإنسان يعم ذلك اللهم إلا أن يتفق أن تكون مادة القضية على نحو ما أومأنا إليه فيما سلف إن كان جائزا. فحينئذ يكون للواقف أن يقف فلا يحكم بصدق ولا كذب إلا فى مواد بأعيانها. وأما تحقيق القول فى ذلك فإلى صناعة غير المنطق. ويصدق فى الممتنع كقولنا كل إنسان ولا واحد من الحجارة. وأما إن جعل سور المحمول جزئيا موجبا كقولنا كل كذا هو بعض كذا، فإن هذا يصدق فى الواجب العام المساوى كقولنا كل إنسان بعض الحيوان أو بعض الضحاك، ويكذب فى الممكن والممتنع كقولنا كل إنسان بعض الكتاب وكل إنسان بعض الحجارة. وأما إن جعل السور جزئيا سالبا كقولك كل إنسان لا كل كذا صدق فى الواجب كقولك كل إنسان لا كل حيوان ولا كل ضحاك، وفى الممتنع كقولك كل إنسان لا كل حجر، وفى الممكن كقولك كل إنسان لا كل كاتب. وأما إذا كان الموضوع مسورا بسالب كلى ثم قرن بالمحمول سور كلى موجب كقولك ولا واحد من الناس كل كذا صدق فى الواجب كقولك ولا واحد من الناس هو كل حيوان وكل ضاحك، وفى الممتنع كقولك ولا واحد من الناس هو كل حجر، وفى الممكن كقولك لا واحد من الناس هو كل كاتب. فإن جعل السور المقرون بالمحمول سالبا كليا كقولك لا واحد من الناس لا واحد من كذا، صدق فى الواجب، فإنه ليس واحد من الناس ليس واحد من الحيوان أو من الضحاك، وكذب فى الممكن فإنه يكذب أنه وليس ولا واحد من الناس ليس ولا واحد من الكتاب. فإن معنى هذا أن أى واحد من الناس أخذته كان موجبا عليه أنه واحد من الكتاب. إذ ليس فيهم واحد يصدق عليه أنه ليس واحد من الكتاب، وهذا كاذب ظاهر الكذب. لكن المفسر المتأخر الذى يعول عليه هؤلاء ذكر أن هذا صادق. وأما فى مادة الامتناع فهو كاذب كقولك: ليس ولا واحد من الناس ليس ولا واحد من الحجارة، فإن هذا كذب. فإن جعل السور المقرون بالمحمول جزئيا كقولك: ليس ولا واحد من الناس هو بعض كذا ، كذب في الواجب كقولك: ليس ولا واحد من الناس هو بعض الحيوان أو الضحاك، وكذب فى الممكن كقولك: ليس ولا واحد من الناس هو بعض الكتاب، إلا على الاعتبار الذى علمت، وصدق في الممتنع كقولك: ليس واحد من الناس هو بعض الحجارة . فإن جعل السور المقرون بالمحمول جزئيا سالبا كقولك: ليس ولا واحد من الناس ليس كل كذا فإنه يكذب فى الواجب كقولك: ليس ولا واحد من الناس ليس كل حيوان أو ضحاك وفى الممكن أيضا كقولك: ليس ولا واحد من الناس ليس كل كاتب، ويكذب فى الممتنع أيضا كقولك: ليس ولا واحد من الناس ليس كل حجر. فأما إذا كان السور المقرون بالمحمول موجبا جزئيا فيصدق حيث كذب الذى كان السور المقرون بموضوعه سورا جزئيا موجبا، ويكذب حيث صدق إذا تساويا فى غير ذلك. وجرب أنت بنفسك. وقد ظن المفسر المذكور أن قولهم: واحد من الناس ليس ولا واحد من الكتاب كاذب. وهذا أيضا من غفلاته.فإن هذا صادق، فإن الأمى ليس ولا واحد من الكتاب، وهو بعض الناس. فإن كان السور المقرون بالموضوع جزئيا، كذب حيث يصدق المقرون بموضوعه سور سالب كلى إذا وافقه فى جميع الأحوال، ويصدق حيث كذب. وجرب أنت بنفسك. وأما إذا كان السور المقرون بالموضوع جزئيا سالبا فإنه يصدق حيث تكذب القضية التى سورها المقرون بالموضوع كلى موجب إذا ساواها فى جانب المحمول. وجرب أنت بنفسك. ثم لا تلتفت إلى ما يقال من أن هذه كلها مرذولة، فلا تستعمل ألبتة. نعم الكاذبات منها بهذه الصفة، وأما الصوادق فإن السور فيها جزء من المحمول، والسور فيها وما معه كشىء واحد حمل على الموضوع بإيجاب أو سلب، فإن انتفعت بشىء فى موضع من المواضع فاستعمله كما تستعمل سائر القضايا التى ليس فى محمولها سور ألبتة. والذى قال إن هذه ليست صادقة لأجل المعانى لأن بعضها يصدق فى المواد الثلاث وبعضها يصدق فى الواجب والممتنع وأنها ليست موجبات خوالص أو ليست سوالب خوالص، فإنه قال هذرا من القول. أما أولا فإن المحمولات إذا جزئت أجزاءا كان لبعضها مع بعض نسب النسبة التى للقضية نفسها. وهنالك تكون القضايا باعتبار أجزائها على أحوال تخالف الأحوال التى تكون للمحمول بكليته عند الموضوع، حتى يكون فيها سالب وتكون القضية موجبة، فلا تغير هى شيئا من الأحكام التى للقضية من حيث هى فيها محمولة وموضوعة، وإن أوجبت أحكاما أخص ومتأخرة عن ذلك. وليس الالتفات إلى القضايا واستعمالها لشىء غير الصدق، فإن كانت صادقة فاستعملها حيث يدخل فيه، ولا تلتفت إلى أن صدقها كان بسبب كذا، فإن الصادق من أى سبب كان يؤديك إلى الغرض المقصود إذا كان لك أن تستعمله. وأما قول هذا الإنسان إن هذه ليست صادقة لأجل المعانى، فإن عنى بالمعنى المعقول من الإيجاب والسلب الذى فى القضية فقد كذب، فإن الإيجاب فى الصادق منها صادق وفى الكاذب كاذب، وإن عنى بالمعنى صورة القضية فقد كذب. فإن الصدق الذى يقع فيها يتبع صورتها دائما. وأما احتجاجه بقياس ألفه على تصديق هذه الدعوى فهو هكذا: إن هذه تصدق فى المواد الثلاثة أو فى مادتين متضادتين، وما يصدق كذلك فليس صادقا فى المعنى، فإن المقدمة الثانية غير مسلمة، فإن الصادق لايكون صادقا ألبتة إلا بصدق المعنى، وليس الصادق إنما يكون صادقا أو الكاذب إنما يكون كاذبا لأجل أنه يعم صدقه فى المواد أو لا يعم، بل لأن له موافقة للوجود ومطابقة أو خلافهما فى مادة كانت أو أكثر وقوله إنها ليست موجبات خوالص ولا سوالب خوالص فهو قول باطل، فإن الإيجاب والسلب لا يقبل الغش والخلوص، فإن أى معنى جعلته محمولا فحكمت بوجوده للموضوع فهو إيجاب بالسواء وأى معنى جعلته محمولا فحكمت بلا وجوده للموضوع فهو سلب بالسواء. فإذا أخذنا قولنا: كل حيوان، أو بعض حيوان، أو لا شئ من الحيوان، أو لا كل حيوان كمعنى واحد أمكن أن يجعل محمولا بجملته، ليس على أن المحمول جزء منه الذى هو الحيوان ولا الذى هو السور بل الجملة. ثم إن أوجبناه كان إيجابا بالحقيقة، وإن سلبناه كان سلبا بالحقيقة، وكان لنا مع ذلك أن نجعل الإيجاب والسلب كليا أو جزئيا. ومع ذلك فلا نظن أن هذه المواد مواد القضايا، بل هى مواد أجزاء المحمولات، فإن قولنا: كل إنسان هو لاشئ من الحيوان، مادة هذا المحمول هو الممتنع وإن كان مادة جزء منه وهو الحيوان هو الواجب، وليس الحيوان هو المحمول حتى يكون لمادته اعتبار حتى يكون الشئ لما صدق فى مواد مثلا ليست مواد القضية بل مواد أجزائها فقد أذنب هذا الصدق واستحق أن يرذل. فأمثال هذه الأشياء لا يجب أن يقع إليها إلتفات. وأما الذى قال إن السور الكلى إذا قرن بالمحمول كان أيضا صادقا، كقولك: كل إنسان قابل كل صناعة، فهذا أيضا غلط، وذلك لأن قولنا السور قرن بالمحمول فى المنحرفات ليس قولا حقيقيا، فإن القول الحق فيها هو أن يجعل السور مع شئ آخر محمولا ويكون ذلك الشئ له حكم، أو جعل وحده محمولا ولم يدخل السور. وأما إذا دخل السور وقرن به ذلك الأمر وجعل الجميع شيئا واحدا، فتلك الجملة هى المحمول. فليس ذلك الأمر المفرد وحده هو المحمول فى هذه القضايا، بل إنما قيل لهذا الجزء إنه محمول بسبب أن البحث الأول كان عن كلية موضوع، ومحمول فقيل إنه لا ينبغى أن يشتغل ببيان كلية المحمول، فإن الغرض ليس أن يدل على أن المحمول بخصوصه أو بعمومه موجود فى شئ، بل إن طبيعته كيف كانت موجودة فى شئ. فإن حاولت أن تقرن هناك سورا فقد انحرفت القضية وصار المحمول ليس بمحمول، بل جزءا من المحمول، فانتقل اعتبار الصدق إلى النسبة التى تقع لتلك الجملة مع الموضوع. فلذلك سميت هذه القضايا منحرفات ولم يشتغل بها المعلم الأول. بل الواردون من بعد، المحبون للتكثير، الموجبون على غيرهم الشرع فيما لا يعنى اضطرارا إلى الموافقة بما يحيطون فيه أيضا فى ذلك التكثير. وأما: قولك: كل إنسان قابل كل صناعة، فان السور هاهنا مقرون بالصناعة، والصناعة ليست المحمول الذى لولا السور كان يكون محمولا، بل جزء من ذلك المحمول. وذلك المحمول بتمامه قولك قابل الصناعة، فلو قال كل إنسان كل قابل صناعة أو كل صناعة لكان يكون منحرفا. وأما قوله: الإنسان قابل كل صناعة فليس من المنحرفات، إذ ليس السور مقرونا بما كان يكون محمولا لولا السور قرنا من غير زيادة مضافة إليه.

الفصل العاشر (ى) فصل في تحقيق حال التناقض ومراتب أصنافها في أقسام الصدق والكذب المتعين وغير المتعين

Halaman 176