لنعتبر هذه مخصوصة أى جزئية الموضوع، ومهملة ومحصورة أى مذكورة السور، وهذا اللفظ الذى يدل على الكمية إما بإيجاب كلى أو سلب كلى أو إيجاب فى البعض كقولك: بعض الناس كاتب، أو سلب عن البعض كقولك ليس كل الناس بكاتب أو ليس بعض الناس بكاتب. فإن سلبك عن الكل من حيث هو كل لا يمنع إيجابك فى البعض كقولك: ليس كل إنسان كاتبا بل بعضهم لا كقولك ليس ولا واحد من الناس بكاتب الذى يمنع البعض. فقولك: ليس كل، إنما يوجب أن العموم ليس، وأما أن الخصوص ليس أيضا فليس فيه، فنقول: إذا قلنا: زيد، ثم قرنا لفظة التقدير بمحموله فإما أن تكون لفظة كل أو ولا شىء أو بعض أو لا كل، والمحمول إما أن يكون معنى كليا أو معنى شخصيا فإن كان معنى شخصيا فمن البين أن إدخال الكل أو البعض فيه فى الإيجاب هذر، إلا أن يعنى بالكل الجملة وبالبعض الجزء فيقال مثلا: إن هذه اليد كل هذه الأصابع والساعد والعضد، أو يقال هذه اليد هى بعض البدن؛ وليس الكل أو البعض الذى هو السور. وفى مثله كلامنا على هذا الوجه. فإنا لا نذهب فى استعمال لفظ الكل والبعض السورين إلى ذلك ألبتة بوجه من الوجوه، بل نعنى بكل لا الجملة بل كل واحد، ونعنى بالبعض لا الجزء بل بعض ما يوصف بالموضوع ويشاركه فى الحد فقولنا بعض الإنسان إنما نعنى به بعضا من جملة الناس الذى مع أنه بعض هو أيضا إنسان فهو واحد من جميع ما يسمى بإنسان ويحد بحده. فإذا استعملنا الكل والبعض السورين فى محمول شخصى فقلنا زيد كل هذا الشخص، أى كل واحد من ذلك الشخص، فهو كاذب. فإنه ليس ذلك الشخص محمولا على آحاد كل واحد منها ذلك الشخص، وإذ لا معنى لذلك. ولا يصح حمله بالإيجاب، فنقيضه وهو زيد ليس كل هذا الشخص صادق. وإذا قلنا: زيد بعض هذا الشخص فكاذب، فنقيضه أن زيدا ليس بعض هذا الشخص صادق. وإذا قلنا زيد ليس ولا واحد من هذا الشخص، فإنه بالحقيقة صدق ويوهم كذبا. أما إيهامه الكذب فلأنه يوهم أن هذا الشخص عام وله موضوعات وليس هذا واحدا منها. لكن القضايا لا يلتفت إلى إيهاماتها بل إلى المفهومات من أنفسها، ولذلك لا يصير قولنا ليس كل إنسان حجرا كاذبا إيهامه أن بعض الناس حجر. وكذلك إذا جعل الخاص جزئيا سالبا حتى قيل إن زيدا ليس كل هذا الشخص أى ليس كل واحد مما يحمل عليه هذا الشخص، فإنه حق وإن أوهم كذبا، أى أوهم أن لهذا الشخص موضوعات كثيرة. وإنما هو حق لأن هذا الشخص إذا لم يكن له موضوعات كثيرة يحمل عليها فظاهر أن زيدا لا يكون كل واحد منها التى ليست، فإن المعدوم يسلب عن كل موجود فلا يكون الموجود شيئا أو أشياء معدومة. وإذا كان لا يمكن أن يكون زيد كل واحد مما هو عمرو ومما ليس، فصحيح أن زيدا ليس كل واحد مما هو عمرو. فأما إن كان المحمول كليا فقلنا: إن زيدا كل إنسان أو كل حيوان أو كل كاتب فهو كاذب لا محالة. فإذا قلنا زيد ليس ولا واحد من كذا ، فإن كانت المادة ممتنعة كان حقا، وإن كانت المادة واجبة كان كذبا، وإن كانت المادة ممكنة لم يجب كذب ولا صدق بعينه، بل أمكن أن يكون زيد مثلا كاتبا فيكذب هنالك أن زيدا ليس ولا واحد من الكتاب، وأمكن أن لايكون كذلك فيصدق هنالك أن زيدا أو لا واحدا من الكتاب. فأما نفس القضية وصورتها فلا توجب شيئا. وبالجملة فإن حمل الممكنات على الأشخاص لا يوجب فى قضاياها تعيين صدق ولا كذب. وأما إن كان السور جزئيا موجبا فذلك فى مادة الواجب حق، كقولنا: زيد هو بعض الناس، وفى مادة الممتنع كاذب، وفى مادة الممكن موقوف. وأما إن كان السور جزئيا سالبا كقولك زيد ليس كل كذا فهو يصدق فى كل مادة، فحق أن نقول: زيد ليس كل حيوان وليس كل حجر وليس كل كاتب، فكيف يكون الشخص كل شىء من المعانى الكلية.وأما المهملات فالمقرون فيها سور الإيجاب الكلى بمحموله قد يظن أنه يصدق فى بعض المواضع كقول القائل: إن الإنسان كل ضحاك. وهذا ظن خطأ لأن قولنا الإنسان نعنى به طبيعة الإنسان، وكل ضحاك نعنى به كل واحد مما هو ضحاك، وطبيعو الإنسان لا توصف بأنها كل واحد من الضحاكين وإلا لكان إنسان ما هو كل واحد من الضحاكين وكذلك أيضا إن أخذ الإنسان من حيث هو عام فإنه ليس ولا واحد من الضحاكين بل هو العام المحمول على واحد واحد منها. فإن عنى بكل ضحاك كل الضحاكين أى جملتهم جميعا، فهذا ما لسنا نذهب إليه فى استعمال الأسوار، لكنا مع ذلك نعتبره فنقول: إن الإنسان العام ليس عمومه هو أنه جملة الضحاكين وكل الضحاكين. ولنأخذ هذا أخذا فمكان بيانه موضع آخر، ولا طبيعة الإنسان من غير زيادة شرط عموم أو خصوص ذلك، وكيف وجملة الضحاكين لا يوصف بها واحد واحد وطبيعة الإنسان يوصف بها واحد واحد فإن عنى بكل ضحاك الضحاك العام من حيث هو عام فهو أيضا غير ما نريده ونذهب إليه فى استعمال قولنا كل ضحاك، لكنه قد يصدق أن يقال إن الإنسان العام هو الضحاك العام على سبيل الحمل ولا يصدق على طبيعة الإنسان ذلك فإن طبيعة الإنسان ليس هو الضحاك العام وإلا لكان كل إنسان ضحاكا عاما،فإن طبيعة الإنسان موجودة لكل شخص، فهذا فى المادة الواجبة. وأما فى الممتنع والممكن فالكذب ظاهر كقولك الإنسان كل حجر، أو الإنسان كل كاتب كيف أخذت، فإن كان السور الكلى سالبا كذب فى الواجب الذى هو أعم. فإنك إذا قلت الإنسان هو لا شىء ولا واحد من الحيوان كذب القول. وأما فى الواجب المساوى فإنك إذا قلت إن الانسان هو ولا واحد من الضحاك، كان لك أن تعنى بالإنسان الإنسان العام، وبقولك ولا واحد من الضحاك سلبا عن واحد من أشخاص الضحاك. وإذا عنيت ذلك فلم يكن واحد من الآحاد التى توضع تحت الضحاك هو الإنسان العام وبالعكس وصدقت القضية. فإن لم يوجد كذلك كذب، وذلك أن يعنى بواحد من الضحاك كل ما يقال له ضحاك كان شخصا شخصيا أو كليا. وهذا أول ما يجب أن يفهم من لفظة هذه القضية وأما فى الممتنع فيصدق كقولك الإنسان هو لا شىء من الحجر، وأما فى الممكن فيصدق إن أردت بالموضوع العام من حيث هو عام كقولك الإنسان العام من حيث هو عام هو ولا واحد واحد من الكتاب. وإن عنيت الطبيعة كذب، كقولك الإنسان ولا واحد من الكتاب. وأما إن أخذ السور جزئيا موحيا صدق فى الواجب العام كقولك الإنسان هو بعض الحيوان، ولم يجب صدقه فى الواجب المساوى كقولك الإنسان هو بعض الضحاك. لأنك إن أخذت طبيعة الإنسان أو عمومها لم يجب صدقه، وإن عنيت إنسانا ما إذ هو إنسان أيضا صدق. وأما فى الممتنع فهو كاذب إذ تقول الإنسان بعض الحجارة. وأما إن أخذ السور جزئيا سالبا فى الواجب صدق كقولنا الأنسان ليس هو كل حيوان وليس هو كل ضحاك على اعتبار ما سلف ذكره، وصدق أيضا فى الممتنع فإن الإنسان ليس هو كل حجر ، وصدق أيضا فى الممكن فإن الإنسان ليس هو كل كاتب، كما كذب أن الإنسان هو كل كاتب. فلنتكلم الأن فى المحصورات فإن العادة جرت فيها دون غيرها.
الفصل التاسع (ط) فصل في صدق المحصورات وكذبها
أما إذا كان الموضوع مسورا بسور كلى والمحمول كذلك فلا يصدق موجبه فى مادة من المواد، كقولك:كل واحد من الناس كل واحد من الحيوان أو هو كل واحد من الضحاك، أو كل واحد من الناس هو كل واحد من الحجارة أو هو كل واحد من الكاتبين. لكن بعض الناس حسب أن قولنا كل الناس كل الضاحكين حق، أى جملة الناس جملة الضاحكين. وقد علمت ما فى هذا من الخطأ والزلل، فإن كان سور المحمول كليا سالبا كقولك كل إنسان لا واحد من كذا كذب فى الواجب، كقولك كل إنسان لا واحد من الحيوان أو الضاحك.
Halaman 173