فالكمية بالجملة حدها هي أنها التي يمكن أن يوجد فيها شيء منها يصح أن يكون واحدا عادا، وبكون ذلك لذاته سواء كانت الصحة وجودية أو فرضية.
الفصل الخامس (ه) فصل في تحقيق ماهية العدد وتحديد أنواعه، وبيان أوائله.
وبالحري أن نحقق ههنا طبيعة الأعداد، وخاصياتها، وكيف يجب أن يتصور حالها ووجودها، فقد انتقلنا عنها إلى الكميات المتصلة مستعجلين، لأن غرضنا كان يوجب ذلك. فنقول: إن العدد له وجود في الأشياء، ووجود في النفس. وليس قول من قال: إن العدد لا وجود له إلا في النفس بشيء يعتد به، أما إن قال: إن العدد لا وجود له مجردا عن المعدودات التي في الأعيان إلا في النفس، فهو حق. فإنا قد بينا أن الواحد لا يتجرد عن الأعيان قائما بنفسه إلا في الذهن؛ فكذلك ما يترتب وجوده على وجود الواحد. وأما أن يكون في الموجودات أعداد فذلك أمر لا شك فيه إذا كان في الموجودات وحدات فوق واحدة، وكل واحد من الأعداد فإنه نوع بنفسه، هو واحد في نفسه من حيث هو ذلك النوع، وله من حيث هو ذلك النوع خواص. والشيء الذي لا حقيقة له محال أن تكون له خاصية الأولية أو التركيبية أو التمامية أو الزايدية أو الناقصية أو المربعية أو المكعبية أو الصمم وسائر الأشكال التي لها. فإذن لكل واحد من الأعداد حقيقة تخصه وصورة يتصور منها في النفس، وتلك الحقيقة وحدته التي بها هو ما هو. وليس العدد كثرة لا تجتمع في وحدة حتى يقال: أنه مجموع آحاد. فإنه من حيث هو مجموع هو واحد يحتمل خواص ليس لغيره. وليس بعجيب أن يكون الشيء واحدا من حيث له صورة ما كالعشرية مثلا أو الثلاثية وله كثرة، فمن حيث العشرية ما هو بالخواص التي للعشرة، وأما لكثرته فليس له فيها إلا الخواص التي للكثرة المقابلة للوحدة، ولذلك فإن العشرة لا تنقسم في العشرية إلى عشرتين لكل واحدة منها خواص العشرية. وليس يجب أن يقال: إن العشرة ليس هي إلا تسعة وواحد، أو خمسة وخمسة، أو واحد وواحد وواحد كذلك إلى أن تنتهي إلى العشرة. فإن قولك: العشرة تسعة وواحد، قول حملت فيه التسعة على العشرة وعطفت عليه الواحد، فتكون كأنك قلت: إن العشرة أسود وحلو، فيجب أن تصدق عليه الصفتان المعطوفة إحداهما على الأخرى، فتكون العشرة تسعة وأيضا واحدا. فإن لم ترد بالعطف تعريفا، بل
Halaman 60