يتحرك الخط المحدث للزاوية لا في الطول وحده كما هو ولا العرض حتى يحدث سطح، وإنما تحرك بأحد رأسيه فحدثت الزاوية. فجعل الزاوية جنسا رابعا من المقادير. والسبب في هذا جهله بمعنى قولنا: إن للشيء ثلاثة أبعاد أو بعدين حتى يكون مجسما أو مسطحا. فإذا عرفت ذلك عرفت أن هذا الذي قاله لا يلزم، ولا ينبغي أن يكون للعاقل إليه إصغاء، وإنما هو شروع من ذلك الإنسان قيما لا يعنيه. وهذا الغافل الحيران قد يذهب إلى أن السطح بالحقيقة هو المربع أو المستطيل لا غير. وليس كلامه مما يفهم فضل شغل به. فقد عرفت وجود الأقدار وأنها أعراض وأنها ليست مبادئ للأجسام، إذ الغلط في ذلك إنما عرض لما عرفت. وأما الزمان فقد كان تحقق لك عرضيته وتعلقه بالحركة فيما سلف، فبقي أن تعلم أنه لا مقدار خارجا عن هذه المقادير، فنقول: إن الكم المتصل لا يخلو إما أن يكون قارا حاصل الوجود بجميع أجزائه، أو لا يكون، فإن لم يكن، بل كان متجدد الوجود شيئا بعد شيء فهو الزمان. وإن كان قارا وهو المقدار، فإما أن يكون أتم المقادير وهو الذي يمكن فيه فرض أبعاد ثلاثة، إذ ليس يمكن أن يفرض فيه فوق ذلك، وهذا هو المقدار المجسم، وإما أن يفرض فيه بعدان فقط، وإما أن يكون ذا بعد واحد فقط إذ كان متصل فله بعد ما بالفعل أو بالقوة، ولما كان لا أكثر من ثلاثة ولا أقل من واحد فالمقادير ثلاثة والكميات المتصلة لذاتها أربعة. وقد يقال لأشياء أخر أنها كميات متصلة وليست كذلك. أما المكان فهو السطح، وأما الثقل والخفة فإنها توجب بحركاتها مقادير في الأزمنة والأمكنة، وليس لها في نفسها أن تجزأ بجزء يعدها، وأن تقابل بالمساواة والمفاوتة بأن يفرض لها حد ينطبق على حد ما يجانسه، حتى ينطبق ما يليه منه على ما يليه مما يجانسه، فينطبق عليه الحد الآخر فيساوي أو يختلف فلا يساوي، بل يفاوت، فإنا نعني بالمساواة والمفاوتة المعترفتين للمقدار هذا المعنى، وأما التجزئة التي تعرض للخفة والثقل بأن يكون ثقل نصف ثقل فإن ذلك لأنه يتحرك في الزمان نصف المسافة، أو في المسافة ضعف الزمان، أو تحرك الأعظم إلى أسفل في آلة حركة يلزم معها أن يتحرك الأصغر إلى العلو أو أمر مما يجري هذا المجرى. فهو كالحرارة التي تكون ضعف الحرارة لأجل أنها تفعل في الضعف أو لأنها في ضعف الجسم الحار المتشابه في الحرارة. وكذلك حال الصغير والكبير والكثير والقليل فإن هذه أعراض أيضا تلحق بالكميات من باب المضاف، وأنت قد حصلت الكلام في جميع هذه في موضع آخر.
Halaman 59