وهذا المرسل يصلح للاعتضاد باتفاق الفقهاء، ويشهد له من المسند أحاديثُ العِيْنة، وسنذكرها، فإنه من المعلوم أن مستحلَّ العينةِ إنما يُسمِّيها بيعًا، وفي هذا الحديث أنها ربا لا بيع.
وروى إبراهيمُ الحربيُّ حديثًا عن أبي ثعلبة عن النبي ﷺ قال: "أولُ ديِنكم نبوَّةٌ ورحمة، ثم مُلْك ورَحْمة، ثم مُلْك وجَبْرية، ثم مُلك عَضُوض يُسْتَحَلُّ فيه الحِرَ والحريرَ" (^١).
يُريد استحلال الفروج من الحرام؛ لأن "الحِرَ" - بالكسر - هو الفرج. ويُشبه أن يكون أراد ظهور نكاح المحلِّل واستحلال خلع اليمين ونحوه، والله أعلم. فإنَّ الأمةَ لم يستحلَّ أحدٌ منها الزنا الصريح (^٢)، ولم يُرِد فِعْل الزنا؛ لأن هذا لم يزل موجودًا. ثم لفظ الاستحلال يُشْعِر أنه فيمن اعتقد الشيءَ حلالًا والواقعُ كذلك (^٣).
فمن تأمَّلَ ما أخبر به رسولُ الله ﷺ ناهيًا عنه مما سيكون في
_________
(^١) أخرجه الدارمي: (٢/ ١٥٥)، ونعيم بن حماد في "الفتن": (١/ ٩٨)، والبزار "الكشف": رقم (١٥٨٩)، والطبراني في "الكبير": (٢٢/ رقم ٥٩١).
قال الهيثمي في "المجمع": (٥/ ١٩٢): "رواه أبو يعلى والبزار عن أبي عبيدة وحده قال: قال رسول الله ﷺ: إن أول دينكم بدأ نبوّة ورحمة، فذكر نحوه. ورواه الطبراني عن معاذ وأبي عبيدة قالا: قال رسول الله ﷺ فذكر نحو حديث أبي يعلى، وزاد: "يستحلون الحرير والفروج والخمور، وفيه ليث بن أبي سُلَيم، وهو ثقة ولكنه مدلّس، وبقية رجاله ثقات" اهـ.
(^٢) هذا في عصر الشيخ وما قبله، أما في هذه العصور المتأخرة، فقد وقع ذلك جهارًا نهارًا، فلا قوة إلا بالله! ! .
(^٣) انظر شرح هذا الواقع في "الإبطال": (ص/ ٦٧ - ٦٨).
1 / 48