فصمت الرجل في ضيق.
جلس بجانب أبيه في حجرة الاستقبال بفيلا الهرم. بدا متوتر الأعصاب فهمس له أبوه: تكلم بطلاقة لتحوز الثقة.
وأزيحت الستارة. برز من ورائها الرجل في عباءة بنية. برأس كبير مغطى بطاقية من الصوف الأبيض. نهضا لاستقباله وسرعان ما أصيب فؤاد بدهشة غير متوقعة. دهشة بلغت حد الذهول وجاوزته. خيل إليه أنه يرى جبريل الصغير نفسه ... حتى صوته تردد وهو يقول: أهلا ... أهلا، كيف حالك يا شيخ صاوي؟ - بخير ما دمت بخير يا بيه، هذا ابني فؤاد.
وتمت المصافحة دون أن تبدر من عبد الرحمن فاضل بادرة واحدة تنم عن رؤيته للشاب قبل ذلك. حدق فيه بذهول. ساوره الشك. لعلها صورة أخرى! لعله مجرد شبه وليس تماثلا. ولكنه هو هو. كلا طبعا. إنه توهم وأثر من الليلة الماضية. من يقطع في ذلك برأي قاطع؟!
ونظر السيد إلى فؤاد وقال ببساطة: أذكر طفولته.
فقال الشاب بحنان: تلك الأيام الطيبة لا تنسى!
هو جبريل الصغير، كلا، هذا رجل آخر جاد ووقور ولا أثر للافتعال في حركاته. ما أحوجه إلى صفاء الذهن. ما زالت بقية من الخمر في معدته لم تهضم بعد. وقال الأب مخاطبا السيد: لعلك بخير وعافية. - الأمور تسير بعون الله، ولكن يندر أن نعثر على مخلوق جدير بالثقة. - هذه هي المشكلة! - وكما عرفتني فأنا لا أقرر البطش إلا عند الضرورة القصوى! - نبل عرف عنك منذ القدم! - والوسطاء ألعن، ولكن هل يسعني أن أقوم بكل شيء بنفسي؟ - غير معقول ولو كان ممكنا! - حتى خطر لي مرة أن أصفي عملي وأرجع إلى القرية. - يسعدنا رجوعك ولكن بلا قهر!
فقال متأسفا: الأولاد متعلقون بالمدينة.
وفجأة التفت نحو فؤاد متسائلا: ما لك يا بني؟
فتراجع فؤاد إلى أعماقه وقال: لا شيء يا سيدي. - ولكنك تنظر إلي نظرات غريبة!
Halaman tidak diketahui