فصاح بعصبية: كلا! - تمالك أعصابك. - فلتذهب أعصابي إلى الجحيم!
واسترسل في هياجه فصاح: ما أنتم إلا لعنة من اللعنات، هذه هي الحقيقة. - لا تثرني أكثر من ذلك. - ألا تريد أن تعترف؟ من المسئول عن الهزيمة؟ - أنرجع إلى ذلك؟ أليس حسبنا ما نحن فيه؟ - ذلك ما أدى بنا إلى هذا الموقف. - اسمع، فلنسر أو فلنصمت. - لا هذا ولا ذاك! - بل هذا أو ذاك. - تريد أن تستغل ضعفي فتفرض علي إرادتك؟ - بت أحسد الذي ذهب. - ماذا تعني؟ - لن نجني من الانتظار إلا الشجار.
فشد على يده كالمستغيث، فقال علي: تعال معي، فرصة النجاة ستهبط درجة، ولكنها لن تنعدم.
وتأبط ذراعه، وحمله على المشي معه وهو يقول: أي شيء خير من الانتظار.
وتحديا الظلام القديم الذي فقد سلطانه منذ اكتشاف النار.
الرسالة
في البدء كان الخوف.
حلق الشارب واللحية. استبدل بالجلباب والجبة بدلة. سمى شخصه الجديد «سالم عبد التواب» بدلا من عليش الباجوري الذي عرف به دهرا. ابتاع أرضا وبنى بيتا فأقام في شقة وأجر تسعا . تجنب الاختلاط بالناس ما وسعه التجنب. عاوده الخوف من الزوايا والأركان، من الظلمة والضوء، من الهواء المشحون بأنفاس الخلق. يحذر نفسه من القضاء والمصادفة وسوء الحظ، فعند ذاك يستقر سهم الموت في قلبه، وتتلاشى الحياة في غيبوبة المجهول. قوة القانون الصلدة قضت عليه بالإعدام، وكلفت الجلادين بالتنفيذ، فلم تبق إلا الضربة القاضية. في سبيل النجاة اقتلع شخصه من جذوره، من الماء والحيوان والشجر. وتعز عليه الطمأنينة إلا في غيبة الأحلام والكوابيس. هكذا تتواصل المطاردة جيلا بعد جيل، تدفعها قوة عمياء مقدسة. ••• - اذهب والله معك. - والغربة في بلاد الغربة؟!
في كل مكان ثمة حياة تتدفق وهي مقدسة مثل الموت! •••
في البدء كان الخوف.
Halaman tidak diketahui