7
وجد نفسه بعد ذلك بين اثنتين؛ الهرب أو الصمود. قرر أن يصمد. ليس وراء الهرب إلا السخرية والضياع، أما الصمود فإنه يمارس فيه رجولته، وليكن بعد ذلك ما يكون. ربما انتهى به الصمود إلى شماتة الحاسدين، ولكن الهرب ينذر بما هو أفظع. وكلما تعقدت الأمور وانبهم المغزى على إدراكه، قال لنفسه مستهينا: ليست السلامة بالغاية المفضلة في هذه الدنيا.
وانطلق في أثرها يخط بالقدم مصيره ومصيرها. تعرض لها في نافذتها، تبعها إلى دكان الخردوات وهي بصحبة أمها، وهبها عينين حادتين وهي تمر أمام مقهى النجف. تطايرت نظراته الموشاة بالبسمات الخفية معلنة عن عاطفة لا وجود لها. وفي فرح شهده وكانت وداد بين المدعوات قاربت بينهما نظرة طويلة، فغمز لها بعينه ملقيا بنفسه في فم القدر. إنها الآن تعرفه تماما وتخمن مقصده، فليتها تغضب، ليتها تشي به عند والديها فتنقذه من المجهول، وتنقذ نفسها. لكنها لم تغضب. بل مرحت في دلال معلنة محاسنها كاشفة عن استجابة واضحة. قال لنفسه بحزن إنها لا تهمها الفتونة، إنها تؤثر الحب على الجاه، إنها حلم الشباب المثالي، وا أسفاه!
ومضى في الطريق مستسلما، لاغيا عقله. حتى ضمهما يوما زحام يحدق بالحاوي. تزحزح خفية حتى استقر جنبها. ولما التفتت نحوه همس: يا جميلة.
فالتفتت عنه في دلال مشجعة على المزيد، فهمس: أقول إن جمالك ...
ولكنها قاطعته هامسة ومعلنة استجابتها في الوقت نفسه: الناس! الناس! - صدق من قال إن العاشق مجنون. - أنت لا تعرف كل شيء.
فهمس متخطيا أشباحه: أعرف أنك مخطوبة للديناري.
فرمقته بدهشة وإكبار وهمست: إنه سر. - لكني أعرفه. - لن تحظى بأحد يقبلك. - المهم رضاك أنت.
فتساءلت متظاهرة بالتركيز على يد الحاوي وهو يلاعب الحية: أي فائدة ترجى؟ - لنتقابل على انفراد. - أمر عسير. - الشمس تقترب من المغيب، زاوية الدرمللي مكان آمن. - ولكن ... - سأسبقك، لا تضيعي فرصتنا الوحيدة.
ومضى نحو الميدان ثم انعطف إلى الزاوية. اضطرب خافق القلب. ثمة أمل ضعيف في أن يستردها العقل في آخر لحظة. أن تثوب إلى رشدها وتندم.
Halaman tidak diketahui