وعلى الرغم من الجهود التي بذلتُها في تخريج الشواهد وٍ نسبتها إلى قائليها، إلا أنني لم أستطع أن أجد مصدرًا ولا قائلا لحوالي ثلاثين نصًا مما جاء في "شواهد التوضيح" ولعل المؤلف تفرد باستنباط القواعد منها، وإذا تمكنا من معرفة قائليها أو مصادرها فإنها بلا شك ستضيف شواهد جديدة لم تكن معروفة عند النحاة إلى ما عرف منها قبلًا.
إن هذه الظاهرة لفتت انتباه القدامى قبلنا، حتى قال فيه السيوطي (وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون فيه، ويتعجبون من أين يأتي بها). (٧١) ولذا فليس غريبًا أن يكرر بعض الذين جاؤوا من بعده وناقشوا آراءه مثل قولهم (أنشده ابن مالك ولا أعرف هذا البيت إلا من جهته) (٧٢)
ان كثرة احتجاجه بالشعر لا يعني أنه اعتمد عليه اعتمادًا زائدًا دون النثر كما فعل غيره من النحاة، (٧٣) بل كان يؤيد القواعد بالنثر كما أيدها بالشعر. وهى طريقة مطردة في الكتاب، ومنهج سليم مستحسن. (٧٤)
أقوال العرب ولغاتها:
أورد ابن مالك أربعة وثلاثين شاهدًا من أقوال العرب لم ينسب أكثرها إلى قائل معين. وكان يمهد لها بعبارة (قول بعض العرب). وأسند رواية إحدى عشرة عبارة منها إلى علماء اللغة. مثل أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب وسيبويه والكسائي والفراء والأخفش. وتمكنت من تخريج أكثرها في كتب النحو واللغة.
وكونت هذه العبارات رافدًا آخر من روافد إلاحتجاج عنده، عزز بها آراءه من غير نظر إلى مذهب من رواها، بصريًا كان أم كوفيًا. لأن الشاهد عنده حجة ما رواه نحوي أو لغوي.
_________
(٧١) بغية الوعاة، السيوطي ١/ ١٣٤.
(٧٢) البحر المحيط، لأبى حيان ٢/ ٨٨.
(٧٣) اظهرت الدراسة التي قام بها الاستاذ عبد الجبار علوان في كتابه "الشواهد والاستشهاد في النحو" ص ١٣١ وما بعدها أن أكثر المأخذ على النحويين في شواهدهم اعتمادهم الزائد على الشعر دون النثر في تقعيد القواعد، وأرى أن ابن مالك اختلف عن هؤلاء في هذا الاتجاه.
(٧٤) ينظر: الشواهد والاستشهاد في النحو ص ١٣٥.
1 / 28