مِنْهُ﴾ [آل عمرَان: ٨٥].
فَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الإِسْلامُ، وَلَنْ يَكُونَ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِلا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إِلَى الْعَمَلِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا، وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، لأَنَّ أَصْلَ الإِسْلامِ: الاسْتِسْلامُ وَالانْقِيَادُ، وَأَصْلُ الإِيمَانِ: التَّصْدِيقُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ، وَلا يَكُونُ صَادِقَ الْبَاطِنِ، غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ، فَإِذًا كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا.
وَقَوْلُهُ: «مَا الإِحْسَانُ؟» فَإِنَّ مَعْنَى الإِحْسَانِ هَهُنَا: الإِخْلاصُ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ مَعًا.
وَقَوْلُهُ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا» مَعْنَاهُ: أَنْ يَتَّسِعَ الإِسْلامُ، وَيَكْثُرَ السَّبْيُ، وَيَتَّخِذَ النَّاسُ السَّرَارِيَّ، وَيَكْثُرَ مِنْهُنَّ الأَوْلادُ، فَيَكُونَ ابْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ فِي مَعْنَى السَّيِّدِ لأُمِّهِ، إِذْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لأَبِيهِ، وَمِلْكُ الأَبِ رَاجِعٌ إِلَى الْوَلَدِ.
وَقَوْلُهُ: «وَأَنْ تَرَى الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ الْعَرَبَ الَّذِينَ هُمْ أَرْبَابُ الإِبِلِ وَرُعَاتُهَا، أَيْ: يَتَّسِعُ الإِسْلامُ، وَيَفْتَتِحُ هَؤُلاءِ الْبِلادَ، وَيَسْكُنُونَهَا، وَيَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَهْلَ النَّجْعِ لَا تَسْتَقِرُّ بِهِمْ دَارٌ.
وَقِيلَ: هَذَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَيَتَكَلَّمُ فِيهِمُ الرُّوَيْبِضَةُ، وَهُوَ الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ
1 / 11