بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه ثقتي ورجائي
الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا، وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك، وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا، وَالْحَمْد لله الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا، الَّذِي عجز الحامدون على الْقيام بأَدَاء شكر نعْمَة من نعمه، وكلت أَلْسِنَة الواصفين عَن بُلُوغ كنه عَظمته.
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك، وَله الْحَمد، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله البشير النذير، الدَّاعِي إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ، السراج الْمُنِير، أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدَّين كُله، وَلَو كره الْمُشْركُونَ.
وَالْحَمْد لله الَّذِي أعظم علينا الْمِنَّة بِالْإِسْلَامِ وَالسّنة، ووفقنا بفضله لِلِاتِّبَاعِ، وعصمنا برحمته من الابتداع.
وَصلى الله على مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين، وَإِمَام الْمُتَّقِينَ، وَخَاتم النَّبِيين فِي كل سَاعَة ولحظة على دوَام الْأَبَد مَا لَا يدْخل تَحت الْعدَد، وَلَا يَنْقَطِع عَنهُ المدد، وعَلى إخوانه من النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَالْمَلَائِكَة المقربين، وعَلى أَزوَاجه وَذريته، وَأَصْحَابه وعترته، وعَلى متبعي سنته، وَأهل إِجَابَة دَعوته بمنه وفضله وسعة رَحمته.
1 / 1
أما بعد: فَهَذَا كتاب فِي شرح السّنة، يتَضَمَّن إِن شَاءَ الله ﷾ كثيرا من عُلُوم الْأَحَادِيث، وفوائد الْأَخْبَار المروية عَن رَسُول الله ﷺ من حل مشكلها، وَتَفْسِير غريبها، وَبَيَان أَحْكَامهَا، يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الْفِقْه وَاخْتِلَاف الْعلمَاء، جمل لَا يَسْتَغْنِي عَن مَعْرفَتهَا المرجوع إِلَيْهِ فِي الْأَحْكَام، والمعول عَلَيْهِ فِي دين الْإِسْلَام.
وَلم أودع هَذَا الْكتاب من الْأَحَادِيث إِلَّا مَا اعْتَمدهُ أَئِمَّة السّلف الَّذين هم أهل الصَّنْعَة، الْمُسَلَّمُ لَهُم الْأَمر من أهل عصرهم، وَمَا أودعوه كتبهمْ، فَأَما مَا أَعرضُوا عَنهُ من المقلوب والموضوع والمجهول، وَاتَّفَقُوا على تَركه، فقد صنت الْكتاب عَنْهَا.
وَمَا لم أذكر أسانيدها من الْأَحَادِيث، فأكثرها مسموعة، وعامتها فِي كتب الْأَئِمَّة، غير أَنِّي تركت أسانيدها حذرا من الإطالة، واعتمادا على نقل الْأَئِمَّة.
وَإِنِّي فِي أَكثر مَا أوردته بل فِي عامته مُتبع، إِلَّا الْقَلِيل الَّذِي لَاحَ لي بِنَوْع من الدَّلِيل، فِي تَأْوِيل كَلَام مُحْتَمل، أَو إِيضَاح مُشكل، أَو تَرْجِيح قَول على آخر، إِذْ لعلماء السّلف رَحِمهم الله تَعَالَى سعي كَامِل فِي تأليف مَا جَمَعُوهُ، وَنظر صَادِق للخلف فِي أَدَاء مَا سَمِعُوهُ.
1 / 2
وَالْقَصْد بِهَذَا الْجمع، مَعَ وُقُوع الْكِفَايَة بِمَا عملوه، وَحُصُول الغنية فِيمَا فَعَلُوهُ، الِاقْتِدَاء بأفعالهم، والانتظام فِي سلك أحد طَرفَيْهِ مُتَّصِل بصدر النُّبُوَّة، وَالدُّخُول فِي غمار قوم جدوا فِي إِقَامَة الدَّين، واجتهدوا فِي إحْيَاء السّنة، شفعا بهم، وحبا لطريقتهم، وَإِن قصرت فِي الْعَمَل عَن مبلغ سَعْيهمْ، طَمَعا فِي مَوْعُود الله ﷾ على لِسَان رَسُوله ﷺ أَن «الْمَرْء مَعَ من أحب»، ولأني رَأَيْت أَعْلَام الدَّين عَادَتْ إِلَى الدُّرُوس، وَغلب على أهل الزَّمَان هوى النُّفُوس، فَلم يبْق من الدَّين إِلَّا الرَّسْم، وَلَا من الْعلم إِلَّا الِاسْم، حَتَّى تصور الْبَاطِل عِنْد أَكثر أهل الزَّمَان بِصُورَة الْحق، وَالْجهل بِصُورَة الْعلم، وَظهر فيهم تَحْقِيق قَول
1 / 3
الرَّسُول ﷺ: «إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من الْعباد، وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء، حَتَّى إِذا لم يبْق عَالما اتخذ النَّاس رُءُوسًا جُهَّالًا، فسئلوا، فأفتوا بِغَيْر علم، فأضلوا وأضلوا».
وَلما كَانَ الْأَمر على مَا وَصفته لَك، أردْت أَن أجدد لأمر الْعلم ذكرا، لَعَلَّه ينشط فِيهِ رَاغِب متنبه، أَو ينبعث لَهُ وَاقِف متثبط، فَأَكُون كمن يسْعَى لإيقاد سراج فِي ظلمَة مطبقة، فيهتدي بِهِ متحير، أَو يَقع على الطَّرِيق مسترشد، فَلَا يخيب من السَّاعِي سَعْيه، وَلَا يضيع حَظه، وَالله الْمُسْتَعَان، وَعَلِيهِ التكلان، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل.
1 / 4
١ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْخَطِيبُ الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبهَانِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، نَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ الْبَابَانِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلالُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
1 / 5
الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْعُتْوَارِيِّ الْمَدَنِيِّ، مَاتَ فِي وِلايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ
1 / 6
١ - كِتَابُ الإِيمَانِ
قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣﴾﴾ [الْبَقَرَة: ٢ - ٣].
وَقَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمرَان: ١٩]، ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [الْمَائِدَة: ٣]، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمرَان: ٨٥].
٢ - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بُوَيْهِ الزَّرَّادُ الْبُخَارِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبِ بْنِ سُرَيْجِ بْنِ مَعْقِلٍ الشَّاشِيُّ، نَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلانِيُّ، أَنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ، يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ، مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ،
1 / 7
فَخَرَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُرِيدُ مَكَّةَ، فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ؟ فَلَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكِلُ الْكَلامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَتَقَفَّرُونَ هَذَا الْعِلْمَ، وَيَطْلُبُونَهُ، يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ؟ قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ، وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ﵄، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، مَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَأَقْبَلَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرُكْبَتُهُ تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ
1 / 8
اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا ".
فَقَالَ: صَدَقْتَ.
فَتَعَجَّبْنَا مِنْ سُؤَالِهِ وَتَصْدِيقِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَمَلائِكَتِهِ، وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».
فَقَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ.
فَقَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا.
قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَأَنْ تَرَى الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي بُنْيَانِ الْمَدَرِ».
قَالَ: صَدَقْتَ.
ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عُمَرُ، هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلا عَرَفْتُهُ فِيهَا، إِلا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ
1 / 9
أَبِيهِ، عَنْ كَهْمَسٍ.
وَاتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلٍ أَبُو حَفْصٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ، قُتِلَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلِيَ عَشْرَ سِنِينَ حَجَّهَا كُلَّهَا.
قَوْلُهُ: «يَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ» أَيْ: يَتَّبِعُونَ أَثَرَهُ وَيَطْلُبُونَهُ، وَالتَّقَفُّرُ: تَتَبُّعُ أَثَرِ الشَّيْءِ.
وَقَوْلُهُ: «إِنَّمَا الأَمْرُ أُنُفٌ»، يُرِيدُ: مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ قَدَرٌ، وَلا مَشِيئَةٌ، يُقَالُ: رَوْضَةٌ أُنُفٌ: إِذَا لَمْ تُرْعَ، وَأُنُفُ الشَّيْءِ: أَوَّلُهُ.
وَقَوْلُهُ: «فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا» أَيْ: عَلامَتِهَا، يُقَالُ: أَمَارُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ كَذَا، وَأَمَارَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ، وَقِيلَ: الأَمَارُ: جَمْعُ الأَمَارَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَام ﵀: جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الإِسْلامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الأَعْمَالِ، وَجَعَلَ الإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنَ الاعْتِقَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ، لأَنَّ الأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الإِيمَانِ، أَوِ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الإِسْلامِ، بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ».
وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ جَمِيعًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷾: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمرَان: ١٩]، ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [الْمَائِدَة: ٣]، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
1 / 10
مِنْهُ﴾ [آل عمرَان: ٨٥].
فَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الإِسْلامُ، وَلَنْ يَكُونَ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِلا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إِلَى الْعَمَلِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا، وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، لأَنَّ أَصْلَ الإِسْلامِ: الاسْتِسْلامُ وَالانْقِيَادُ، وَأَصْلُ الإِيمَانِ: التَّصْدِيقُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ، وَلا يَكُونُ صَادِقَ الْبَاطِنِ، غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ، فَإِذًا كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا.
وَقَوْلُهُ: «مَا الإِحْسَانُ؟» فَإِنَّ مَعْنَى الإِحْسَانِ هَهُنَا: الإِخْلاصُ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ مَعًا.
وَقَوْلُهُ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا» مَعْنَاهُ: أَنْ يَتَّسِعَ الإِسْلامُ، وَيَكْثُرَ السَّبْيُ، وَيَتَّخِذَ النَّاسُ السَّرَارِيَّ، وَيَكْثُرَ مِنْهُنَّ الأَوْلادُ، فَيَكُونَ ابْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ فِي مَعْنَى السَّيِّدِ لأُمِّهِ، إِذْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لأَبِيهِ، وَمِلْكُ الأَبِ رَاجِعٌ إِلَى الْوَلَدِ.
وَقَوْلُهُ: «وَأَنْ تَرَى الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ الْعَرَبَ الَّذِينَ هُمْ أَرْبَابُ الإِبِلِ وَرُعَاتُهَا، أَيْ: يَتَّسِعُ الإِسْلامُ، وَيَفْتَتِحُ هَؤُلاءِ الْبِلادَ، وَيَسْكُنُونَهَا، وَيَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَهْلَ النَّجْعِ لَا تَسْتَقِرُّ بِهِمْ دَارٌ.
وَقِيلَ: هَذَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَيَتَكَلَّمُ فِيهِمُ الرُّوَيْبِضَةُ، وَهُوَ الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أُمُورِ
1 / 11
الْعَامَّةِ»، وَقِيلَ: الرُّوَيْبِضَةُ: تَصْغِيرُ الرَّابِضَةِ، وَهُوَ رَاعِي الرَّبِيضِ، وَالرَّبِيضُ: الْغَنَمُ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.
٣ - أَنا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ الْخَلِيلِ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ، حَدثنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ ﷺ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ أَجَبْتُكَ».
فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ
1 / 12
عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ.
فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».
فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».
قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».
قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».
قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».
فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، بِمَعْنَاهُ
قَوْلُهُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَيْ: أَسْأَلُكَ، يُقَالُ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، أَيْ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ بِرَفْعِ نَشِيدِي، أَيْ صَوْتِي، وَالنَّشِيدُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ: إِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ، وَالنَّاشِدُ: الطَّالِبُ، سُمِّيَ
1 / 13
بِهِ نَاشِدَ الضَّالَّةِ لِرَفْعِهِ صَوْتَهُ بِالطَّلَبِ.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ ﷾: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ [النِّسَاء: ١] أَيْ: تَطْلُبُونَ بِهِ حُقُوقَكُمْ، كَقَوْلِكَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، أَيْ: سَأَلْتُكَ بِهِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ، ثُمَّ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْعِلْمِ
٤ - حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَلِّمُ الطُّوسِيُّ، بِهَا، نَا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ،
1 / 14
إِمْلاءً، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، نَا بَهْزٌ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ، وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «صَدَقَ».
قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللَّهُ».
قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ».
قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ؟ قَالَ: «اللَّهُ».
قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ».
قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ».
قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»،
1 / 15
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سُنَّتِنَا، فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا؟ قَالَ: «صَدَقَ».
قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزْدَادُ عَلَيْهِنَّ وَلا أُنْقِصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ الْعَبْدِيِّ.
قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ
وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو حَمْزَةَ النَّجَّارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، خَادِمُ النَّبِيِّ ﷺ، سَكَنَ الْبَصْرَةَ، مَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ، هُوَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي
1 / 16
جُمُعَةٍ، وَدُفِنَ بِالطَّفِّ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، غَسَّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَقِيلَ: عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ إِلَّا سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، رَوَى عَنْهُ ثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبُنَانِيُّ، مَاتَ ثَابِتٌ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
بَابُ بَيَانِ أَعْمَالِ الإِسْلامِ وَثَوَابِ إِقَامَتِهَا
قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا﴾ [الْكَهْف: ١٠٧].
وَقَالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ [الرَّعْد: ٢٩].
٦ - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: أَنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ﵄، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ
1 / 17
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنْظَلَةَ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ قَبِيلَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ، وَدُفِنَ بِالْمُحَصَّبِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.
وَعِكْرِمَةُ هُوَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَاتَ بَعْدَ عَطَاءٍ، وَمَاتَ عَطَاءٌ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُقَالُ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، انْتَهَتْ فَتْوَى أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ وَإِلَى مُجَاهِدٍ، وَأَكْثَرُهَا إِلَى عَطَاءٍ.
٧ - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ السَّامريّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ،
1 / 18
نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ».
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ فَقَالَ: «لَا.
إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لَا.
إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: «لَا، إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ».
قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أُزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أُنْقِصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ»، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، كُلٌّ عَنْ مَالِكٍ.
1 / 19
وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو مُحَمَّدٍ تَيْمِيٌّ قُرَشِيٌّ، قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ.
وَمَالِكٌ الَّذِي رَوَى عَنْهُ هُوَ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الأَصْبَحِيُّ، جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو أَنَسٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سُهَيْلٍ، وَاسْمُهُ نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: «دَوِيَّ صَوْتِهِ» دَوِيُّ الشَّيْءِ: حَفِيفُهُ.
وَقَوْلُهُ: «أَفْلَحَ»، أَيْ: فَازَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ أَصَابَ خَيْرًا: مُفْلِحٌ، وَالْفَلاحُ: الْبَقَاءُ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: حَيِّ عَلَى الْفَلاحِ، أَيْ هَلُمُّوا إِلَى سَبَبِ الْبَقَاءِ فِي الْجَنَّةِ
٨ - قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي، أَنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلانِيُّ، نَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ يَذْكُرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَقَالَ:
1 / 20