Sharh Risala Nasiha
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
Genre-genre
(الكلام في مسألة الإدراك)
[14]يسمع ما دق من الأصوات .... ويعلم المقصود باللغات
ليس بذي داء ولا آفات .... وينظر الذرة في الصفات
سوداء في سودا من الليالي
الكلام في هذه المسألة يتعلق بالإحتجاج على أنه تعالى مدرك لجميع المدركات، من المسموعات والمشمومات والمذوقات، والملموسات والمبصرات، وقد وقع الإجماع على أنه تعالى موصوف بذلك، وإنما وقع الخلاف بين أهل العلم في كيفية وصفه تعالى بذلك؛ فمنهم من أثبت له سبحانه بكونه مدركا حالا زائدة على كونه عالما ، ومنهم من منع من ذلك ورجع بالإدارك إلى العلم، ولنا في هذه المسألة نظر، نسأل الله فيه التوفيق.
(يسمع ما دق من الأصوات): على قول من يجعل الإدراك بمعنى العلم، يقول: يعلم سبحانه لطيف الأصوات وغامضها؛ لأن ذاته تعالى مع اللطيف من الأصوات والعظيم على سواء ، فلا فرق عنده سبحانه لهذا بين لطيفها وعظيمها إذ([30]) كان عالما لذاته ، وذاته مع المعلومات على سواء، واللطيف معلوم كالعظيم.
ومن قال كونه مدركا زائد على كونه عالما، فقوله إنه يدرك الصوت كما يدركه الواحد منا؛ إلا أنه يدركه بغير جارحة ولا حاسة لاستحالة الحواس في حقه تعالى.
ويقول إن الإدراك زائد على العلم؛ لأن الواحد منا قد يعلم ما لا يدركه، كأن يخبره نبي صادق أن زيدا في المسجد، وكمخبر الأخبار المتواترة، فإنا نعلم ذلك ولا ندركه، كالبلدان القاصية نعلمها بالأخبار ولا ندركها، وكالباريء -تعالى- فإنا نعلمه ولا ندركه، وندرك ما لا نعلم، كالنائم يدرك الأمر الذي ربما أيقظه ولا يعلم، وربما يسأل من كان بحضرته يقظانا بما دهاه وذلك ظاهر؛ فثبت أن بين الأمرين فرقا.
Halaman 132