Sharh Mushkil
شرح المشكل من شعر المتنبي
الفدِام: المصفاة، ونسجُه ضيقٌ، تدفعُ إليه الخُمر قذاها، فتمرق منه صافية فتزداد شرفًا بنقائها وصفائها. شبه الخُطة، وهي النازلة العظيمة من نوازل الدهر، في ضيقها بالفدام المُضيق. فيقول: إذا دُفعتُ إلى مُلم ضيق فعجز غيري عن نفاذه، خرجتُ وازددتُ شرفًا بذلك، كازدياد المدام عند فراغها صافية للقدام، كقوله:
ما تعتريني من خُطوب مُلمِةٍ ... لإلا تُشرفُني وترفعُ شاني
ولهذا قالوا خرج منها كالشهاب، اي لم تعلقة منها تبعة. واراد:) وربما ضاقت خطة (، او) فقد ضاقت خُطة (يذهب في ذلك إلى خُططٍ شتى، لا إلى خُططٍ بعينها. واراد) من منسوج الفدام (إذ النسيج عَرض، والخمر جوهر، والجواهر لا يتخلل العَرَض.
قال سيبويه: هذا ثوبٌ نسج اليمن، ودرهم ضربُ الأمير: اي منسوج ومضروب، مثله كثير.
) وَإن أسلم فما أبقى وَلكن ... سلمتُ من الحمامِ إلى الحِمام (
اي إن سلمتُ من موت على وجه ما، لم اسلم من آخر على وجه ما، وإن سَلمتُ من الموت في زمان ما، لم أسلم في غيره، إذ الخُلد في الحياة ممتنع. وقوله:) من الحِمام إلى الحِمامِ (: لو يُرد الجنس ولكنه اراد من بع ... أنواع الحمام إلى بعض أنواع الحمام.
وله ايضا:
) مُنى كُن لي أن البياض خضابُ ... فَيخفي بتبييض القُرون شبابُ (
) أن البياض (: خبر ابتداء مضمر. اي كانت لي مُنى. ثم أوضح تلك المنى وكأنه قال: هي أن البياض وقار لي، فيخفي شبابي بالمشيب، ذهابًا إلى إكبار الشيب، وذلك لما يلحقُ الشباب عنده من العيب.
) فكيف أذم اليوم ما كنتُ أشتهى ... وأدعُو بما أشكُوهُ حين أجابُ (
يعني في كل ذلك الشيب، اي قد كنت أيام اسألُه ﷿، وأدعو أن يسلُبني الشباب، ظانا أن الشيب لا يلحقُ الإنسان معه ألمٌ ولا هَرَم. فلما شبت ولحقني من الضعف ما لحقني، علمت أن رأيي في سؤالي الشيب، ورغبتي إلى الله فيه، كان سَفها. لكن كيف أذمُّ المشيب وقد كنت أشتهيه. وكيف أشكوه وقد كنت أدعو الله أن يهبه لي. يقول: فإن شكوت ما كنتُ أحب، وذممتُ ما دعوت إلى الله فيه، وقع التناقض في مذهبي، مع أن ذلك غير نافع فالصبر أولى والرضا بكل ذلك أخجى.
) جَرَى الخُلفُ إلا فيك أنك واحدٌ ... وأنك ليثٌ والملُوكُ ذئابُ (
) وَأنك إن قُويستَ صحف قارئٌ ... ذئابًا فلم يُخطئ فقال ذُبابُ (
اي إذا عُددت ليثًا، وطلب من السباع ما هو دون اليت، مما بقاس به الملوك إليك رُيئوا ذئابًاز ثم إن حُقق القياس، كان ما بينك وبين الملوك تفاوتًا، كما بين الأسد والذئاب، حتى لو صحف مُصحف فقال: ذباب لم يخطئ في قياسه إليك، وإن كان صَحف، بل يكون بهذا التصحيف أشعر كقول الأصمعي لقارئ عليه، صحف عليه بيت الحُطيئة، وهو قوله:
وَغَررْتني وزَعمت أنكَ ... لابنٌ بالضيفِ تامرْ
فقال:) لاتني بالضيفِ تامرُ (، فقال له الأصمعي، أنت والله أشعر من قائله، حين قلبت هجوهُ مَدحًا. وقوله:) أنك واحدٌ (: بدل من الكاف في فيك. وإن قلت: منع سيبويه البدل من المضمر المخاطب، فقال: إن قلت: بك المسكين مَرَرت، لم يجُز، لان البدل إنما هو للإيضاح والمخاطب لا يُشكل، فيحتاج إلى البيان. قلنا إنما منع سيبويه في هذا بَدل الجملة من الجملة، أعنى الكل من الكل، الذي هو هو، فأما بدل الجزء من الكل، فغير ممتنع؛ كقولك اعجبتي وجُهك، وعجبتُ منك صبرك، فكذلك) أنك واحد (، وإن لم يكن جزءا من كل فهو عَرَض في جوهر كقولك: جرى الخُلف إلا في كونك واحدًا، والعرض - وإن لم يكن جزءا من الجوهر - فهو مرتبط به، فكان كالجزء منه. والخلف هنا: بمعنى الختلاف، ولذلك جاز أن يتعدى إلى في. وذئاب ها هنا: اسم للجنس لأنه قد قال:) والملوك ذئاب (، فأخبر بالجمع عن الجمع، ولو لم يجعل الذُباب جنسًا، لَلَزِمك أن تخبر عن الجمع بالواحد.
وقد حكى ابو عُبيد في) الغريب المصنف (عن الأحمر:) النُّعرة: ذبابة (. فإن صح ذلك، ولم يك وهما من أبى عُبيد، فذباب هنا جمع ذُبابة، لا يحتاج حينئذ إلى تأول الجنس ولا إلى جعل الواحد موضع الجمع. ولا أعلم أحدًا من أهل اللغة حكى في ذُباب ذُبابة إلا أبا عُبيد وحده.
وله ايضا:
) والعبدُ ليس لحُرٍّ صالحٍ بأخٍ ... لو أنه في ثياب الحُر مولودُ (
1 / 90