الإسآد: سرعة السير، وقيل: سير الليل. والنى: الشحم. وتقدير البيت: فتبيت تسْئد الإنضاء في نيها إسآدها في المهمه. والإنضاء: الهزال. أي أن الإنضاء الحادث عليها من التعب، يُسئد في نيها أي يسرى فيه مُسرعا، فيأخذ منه، كما تُسئد هي في هذاال المهمه الذي تقطعه. يقول: يأخذ السيرُ من جسمها كأخذها هي من المهمه، فقد أفناها السيرُ كما أفنت هي المهمه، فلم يبق من جسمها شيء كما لم يبق من المهمه، فمسئدأ في اللفظ حال من الضمير الذي في تسئد، وهو في الحقيقة للانضاء والإنضاء: فاعل بقوله: مُسئدًا.
وتحقيق الحال في ذلك، أن تقول: فتبيتُ تسئد، والإنضاء: مُسئدٌ في نيها، والعائد إلى الضمير الذي قد تُسئدُ من هذه الحال اللفظية، وما في نيها وإسآدها من الضمير.
وتقدير لفظ البيت، على ما صورته لك يُؤديك إلى حقيقة إعرابه، لكنى ذهبت إلى التبين.
) وَكَذَا الكريمُ إذا أقَامَ بِبَلَدةٍ ... سَالَ النُّضَارُ بها وَقَامَ الماء (
أي أنه يبُثُّ الذهب ويصرفه في كل وجه، فكأنه بكثرته يسيل ويمُاعُ، حتى يخجل الماء من كثرته، فيقف حائراُ. يقال: قام الماء: إذا جمد فلم يسل. ومنه قوله تعالى) إلاَّ ما دُمْتَ عَليه قاَئِمًا (أي ثابتا غير منصرف، ألا ترى قوله بعد هذا) جَمَد القِطَارُ. . . (وإن شئت قلت: يَخْجل القطر من سيلان الذهب، فيعود سيلانه - بإضافته إلى سَيَلان الذهب - جُمودا، إلا أنه يجمد عن السَّيَلان.
) مَنْ يَهتَدِى في الفِعل مالا يَهْتَدى ... في القَول حتى يَفْعَل الشُّعراءُ (
أي هو من يهتدي في الفعل إلى مالا يهتدي إليه الشعراء في القول حتى يفعل. يقول: ذهنُه في الفعل أنفذ من أذهان الشعلااء في القول، فإذا أغربوا في مدحه لم يك ذلك اإغراب من غوص أذهائهم على المعاني. وإنما نظروا إلى فعله الذي عليه هو بذهنه. فاهتدوا إلى القول بما رأوه من فعله.
ولولا ذلك لم يهتدوا، فاذا فعل تعلموا وصفه من فعله.
) منْ نَفعُه في أن يُهاجَ وضُرُهُ ... في تَركِه لَو تَقْطن الأعداءُ (
إنما جعل نفعه في أن يُهاج، لأنه إذا هيج أوقع بالأعداء، فأغار وغنم، وأثرى، واتسعت كفُّه للجود. وتلك بغيته من الثروة. وضره في تركه أي إذا سُولم ياَلم، وهو في ذلك بجود بما عنده حتى ينفد، فلا يجد ما يجود به. فهذا وجه ضُره في تركه.
وإت شئت قلت: البأس وحبُّ الحرب في طبيعته، فإذا هيج مُكن بما في طبعه، والإنسان ينفعه تحريكه إلى مافي سجيته، لأن في ذلك كل بلوغ أمنيته، وضرُّه في تركه: أي أنه مُشته للقتال بطبيعته، فاذا سُولم اشتاق إلى مشاهدة مافي طبعه، فضرُّه شوقه إلى ذلك إذا لم يمكنه مشاهدته، كقوله هو:
) فالسِّلمُ يَكسِرُ من جَنَاحَىْ مَالهِ ... بِنَوالِه ما تَجْبُر الهَيْجاءُ (
أي أنه يجود بماله فيُثْلم، ثم يُغير فتجبرُ الهيجاءُ ما انثلم، ثم يسالم فيعود إلى طبعه الأول من الجود، فكلما هاضت السلم ماله جبرتها الحربُ، وبالعكس، أي كلما جبرته الحربُ هاضته السِّلم.
) يا أيُّها المُحْيَا عَليه رُوحُه ... إذ لَيْس يَأتيه لَهَا اسْتِجداءُ (
) أحياء عليه روحه (: بأنه لم يستوهبه ولو استوهبه لأعطاه فعدمُ، فإن لم يستجده روحه أحياله. وعدى) المُحْيَا (بعلى، لأنه في معنى المحبوس عليه روحه.
) احْمَدْ عُفَاتَكَ لا فُجِعْتَ بفقْدِهم ... فَلَتَرْكُ مالم يَأْخذوا إعْطاءُ (
يقول: احمدهم على أن لم يستجدُوك رُوحك، اذ لم استجدوك إياه، لحقك طبع الكرم والسخاء على هبته لهم، فقد استوجبوا أن تحمدهم على ترك هذه الروح لك، لأنه عطاء منهم لك، كما ينبغي لهم أن يحمدوك على ما أعطيتهم من مالك فهم يقتضونك الشُكر على عطائهم، كما تقتضيهم أنت إياه على عطائك لأن المعطى بطبيعته يجب أن يشكر. فأعطِ من نفسك أيها الممدوح، كما تطلب من غيرك. بل أنت أولى بشكرهم، لأن الذي تركوا لك وهو الروح، أنفسُ من الذي أعطيتهم، وهو المال.
وقوله: لافُجِعت بفقدهم: إنما حد الصنيعة أن تُشكر لأنها إذا شُكرت حييت واذا كُفرت ماتت، لن كفرها له سترٌ.
فيقول: لا مانت صنائعك عند عُفاتك بكفرها قلة شكرها. دعا بذلك له وإن شئت قلت: لا فُجعت بحمدهم: أي لا فارقتك المروءة، فيفضى بك فرارها، إلى ذد حمدِ عُفاتك لك.
1 / 22