) تَحْمَى الْسُّيوفُ عَلَى أَعْدَائِه مَعَهُ ... كأَنَّهنَّ بَنُوه أَو عَشائِرُهُ (
أي إن السيوف تحَمَى على أعدائه معه، تعصبًا له وحبًا، حتى كأنَّ السيوف من مظاهرتها ونصرها له، وتبليغها إياه ما شاء من عدوه، بَنُون له أو عشائر قال أبو الفتح: وهذا أبلغ من قول أبى تمام:
كأنما هي في الأوداج والغةٌ ... وَفي الْكُلَى تجدُ الْغيظ الذي تجدُ
لأن أبا الطيب قد جعل السيوف بنين له وعشائر. وإذا كانت المناسبة استحكمت العصيبة، وازدادت الأنفس حمية، وأبو تمام لم ينُطْ بيتَه بشيء من معنى المناسبة.
) إذا انْتَضاَهاَ لِحَرْبٍ لم تَدْع جَسَدًا ... إلاَّ وباطِنُه للعين ظاهِرُهُ (
انتضاها: جرَّدها. أي إن الدن الذي هو باطن الجسد يَفيض فيصير ظاهرًا. وقيل تَقْطع الأشلاء وتَقُدّ الجلد، فيظهر من الجسم ما كان باطنا.
وله أيضًا:
) وَمِن جَسَدى لم يَتْرك الْسُّقمُ شَعْرةً ... فَما فَوقها إلاَّ وفيها له فِعْلُ (
أي أن السُّم نال طائفة من طوائف جَسَدي: اللَّحم والعَصب والعَظم، فأنحاَه وبراه، حتى الشَّعْر الذي هو أرقٌّ الطوائف جسمي، فإنه أثر فيه بالشيب. والشيبُ سُقْمٌ، لأنه مُشْعِر بفناء، كما أن السُّقْم كذلك ولذلك قال بعض الشعراء في صفة الشيب:
هو الْسُّقم إلاَّ أنه غيرُ مؤلم ... ولَمْ أَر مثل الشيب سُقما بلا ألَمْ
وقد يجوز أن يَعْنِى أنه قَذَف في اصغر طوائف جمسي، هو الشَّعرُ، بهذه النازلة العظيمة الشنيعة، وهو الشيب فقس على سائر الجسم بمثل هذا القياس، كما يُستدل بالأصغر على الأعظم، وبالأقل على الأكثر، أدى إذا كان فعله في الشعر هذا، فما ظنك باللحم، وما يحمله من العصب والعظم؟
) هُمامٌ إذا ما فَارَق الْغمدَ سَيْفهُ ... وعايَنْتَه لم تَدْرِ أيهُّما النَّصْلُ (
أي أن مضاءه كمضاء السيف، وبشره وبشاشته كفر نده وصقالته، فأنت تشكُّ فيهما حتى لا تميز أحدهما من صاحبه. وهذا كقول ابى تمام:
مُنْصَلِتًا كالسيف عند سَلِّهِ
وقال رؤبة:
كأنني سيف بها إصْلِيتُ
ونحوه عندي قوله هو أيضا:
كَفرنْدِى فِرنْدُ سيفي الُجْرَازِ
أي كبسرى عند القتال وبشاشيتي وفرحي بتاثيري في اقراني، فرند سيفي هذا الجُرازُ: القاَطِع، وذهب قوم إلى أنه عنى بفرنده نفسهَ: سُهُومه وتغيره من السفر والجد والتعب. فكنى عن ذلك السُّهام بالفرند، لدلالته على شرف الهمة ورفعة النفس، وإنما الصحيح الول كقوله في موضع آخر: أَرى من فِرنْدِى قطعةً من فرنْدِه وَجُودَةُ ضَرْبِ الْهام في جُودةِ الصَّقْلِ
إذا قيل حلمًا قال للحلمِ موضع ... وحَلْم الفتى في غير موضِعه جْهلُ
أي طلبُ الرفق في موصع النزال خديعة لا يخلد إليها أريب، كقوله:
يناشدني حاميم والرمح شاجرٌ ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
وإنما يروم بذلك قرنهُ منه التماس نهزةٍ أو حذبًا إلى كشف شدة عن نفسه.
) ولولا تَولِّى نَفْسه حَمْلَ حِلْمه ... عن الأرض لا نهدَّت وَنَاءَ بها الْحِملُ (
الحمَلُ: المصدر، والجملُ: الاسم. وناء بها: أثقلها، وفي التنزيل) ما إنَّ مَفَاتحَهُ لَتَنُوءُ بالعُصْبَةِ (. ولا يقال) ناء (إلا في حد الإتباع لساء، يقال:) له عندي ما ساء وناء (، وقد يكون مع الإتباع صيغ لا توجد في حد الإفراد، كقولهم هَنأءُ ومرأه، فإذا أفردوه قالوا أمرأه. وقالوا: إني لآتيه بالغدايا، والعشايا، والغداة لاتجمع على غدايا، لأن) فَلة (لا تُكسر على فعايل. لكنهم تجوزوه لما قرنوه بالعشايا، ولا عليك أتبع الثاني الأول، أم صيغ الأول على حكم الثاني، لأن مذهب العرب في ذلك، أن تصوغ الكلام من جه واحد طلبًا للمشاكلة.
ومعنى البيت: أن حلمه رَزِين فلو لم يتولَّ حَمْله نفسه بنفسه، ووكل الارض بحمله، أثقلها فانهدت. وإنما يوصف الحلم بالزراعة لما يتبعه من الوقار، كقول الآخر:
أحلامُنا تزن الجبالَ رزانةً ... وتزيد جاهلنا على الجهال
وقد قال هو أيضا:
وبقيات حلمه عافت النا ... س فصارت ركانةُ فب الجبال
) وَحالتْ عَطاياَ كفِّه دُون وَعدِه ... فليسَ له إنجازُ وعد ولا مَطلُ (
1 / 10