قال ارسطو ويتبع هذه المسئلة الغامضة مسئلة اخرى اصعب من جميعها يلزمنا النظر فيها اضطرارا وهى المسئلة التى نقولها حيننا هذا فانه ان لم يكن شىء غير الاشياء الجزئية والاشياء الجزئية بلا نهاية فكيف يمكن ان يدرك علم ما لا نهاية له لانا نعلم جميع الاشياء بشىء واحد كلى باق على حاله فان كان هذا القول مضطرا واجب ان يكون شىء اخر غير الاشياء الجزئية فباضطرار ان تكون الاجناس الاخيرة والاول غير الاشياء الجزئية وقد قلنا انفا ان هذا غير ممكن وايضا متى ينبغى ان نثبت شيئا كليا اخر غير جميع الاشياء الجزئية فنقول انه اذا قيل شىء على الهيولى هل ذلك الشىء غير جميع الاشياء الجزئية ام هو غير بعضها دون بعض ام ليس هو غير شىء منها فانه ان لم يكن شىء غير الجزئية لم يكن شىء معقولا بل تكون جميع الاشياء محسوسة ولا يمكن ان يعلم شىء من الاشياء بعلم ان لم يزعم احد ان الحس علم وايضا لا يمكن ان يكون شىء سرمدى ولا غير متحرك لان جميع المحسوسات تبلى ولها حركة ولا كن ان لم يكن شىء سرمدى ولا غير متحرك لم يمكن ان يكون كون ايضا لانه ينبغى اضطرارا ان يكون المكون والذى منه يكون الكون وان يكون اول هذه الاشياء غير مكون ان كانت تقف وكان لا يمكن ان يكون شىء من لا شىء لانه ان كان كون فباضطرار ان يكون للحركة نهاية فانه ليس شىء من الحركات لا نهاية لها بل لكل حركة غاية وتمام ولا يمكن ان يكون الذى لا يمكن ان يتكون فاما الذى تكون فهو ممكن من اول ما كون اضطرارا وايضا ان كان الشىء الكلى هو الهيولى لانها لم تتكون فالجوهر اذ يتكون اوجب كلية من الهيولى فانه ان لم يكن الكلى لا الهيولى ولا الجوهر المدرك لم يجب ان يكون شىء البتة فان لم يكن هذا فسيكون الكلى الذى هو غير هذه الاشياء الجزئية الصورة والشكل اضطرارا فان ادعى احد هذا لزمته من ذلك شناعة لانه لا يمكنه ان يقول ان هذا جائز فى جميع الاشياء بل يقول يجوز ان يكون فى بعضها وفى بعضها لا يكون فمعلوم انه لا يمكن ان يكون هذا فى جميع الاشياء لانا لا نقول ان بيتا غير البيوت المفردة التفسير غرضه فى هذا الفصل ان يستقصى القول فى تعديد الاقاويل التى توجب فى بادى الراى ان تكون الكليات امورا موجودة على انفرادها وهى الحجج التى حركت افلاطون الى القول بالصور فقوله فانه ان لم يكن شىء غير الاشياء الجزئية الى قوله باق على حاله˹ فهو مفهوم بنفسه وتلخيصه انه ان لم يكن هاهنا امور كلية ثابتة غير متغيرة ولا فاسدة حاصرة للجزئيات التى هى داخلة تحتها لم يكن هاهنا علم ضرورى اصلا ولا علم حاصر للمعلوم اما كونه غير حاصر ولا محيط بالمعلوم فمن قبل ان الامور الجزئية لا نهاية لها وما لا نهاية له غير منحصر واما كونه غير دائم ولا ضرورى فمن قبل ان الامور الجزئية فى تغير دائم فقوله لانا نعلم جميع الاشياء بشىء واحد كلى باق على حاله يريد لانه من المعروف بنفسه انا نعلم جميع الاشياء الجزئية بشىء واحد كلى حاصر لها باق على حاله غير متغير فانه ان لم يكن الكلى شيئا موجودا كان العلم كذبا وهذا هو الذى دل عليه بقوله فان كان هذا القول مضطرا واجب ان يكون شىء غير الاشياء الجزئية يريد فان كان واجبا قولنا انه لا بد فى علم الاشياء من شىء واحد كلى ثابت فواجب ان يكون هاهنا اى خارج النفس شىء اخر غير الاشياء الجزئية ثم قال فبالاضطرار ان تكون الاجناس الاخيرة والاول غير الاشياء الجزئية يريد واذا وجب ان يكون هاهنا شىء اخر سوى الجزئية هو سبب للعلم وان كان الكلى هو الذى هو بهذه الصفة فباضطرار ان تكون الاجناس الاول والانواع الاخيرة وما بينها شيئا موجودا خارج النفس غير الامور الجزئية وتكون اوائلها الاجناس الاول ثم قال وقد قلنا انفا ان هذا غير ممكن يريد لا كن قد ذكرنا فيما تقدم ما يلزم عن وضعنا كليات مفارقة من المحال ثم قال وايضا متى ينبغى ان نثبت وجود الكلى˹ من قبل ان وجود الكلى ليس فيه شك وانما الشك فى طبيعته ما هو ثم قال فنقول انه اذا قيل شىء على الهيولى هل ذلك الشىء غير جميع الاشياء الجزئية ام هو غير بعضها من دون بعض ام ليس هو غير شىء منها يريد فنقول انه من البين بنفسه ان شيئا ما واحدا يحمل على هيولى الاشياء الجزئية فاذا حمل شىء على الاشياء الجزئية الهيولانية هل ذلك الشىء غير جميع الاشياء الجزئية التى تحمل عليها ام هو غير بعضها وليس هو غير البعض ام هو جميعها ثم قال فانه ان لم يكن شىء غير الجزئية لم يكن شىء معقولا بل تكون جميع الاشياء محسوسة ولا يمكن ان يعلم شىء من الاشياء ان لم يزعم احد ان الحس علم يريد لا كن ان وضعنا انه ليس هاهنا شىء غير الاشياء الجزئية لم يكن هاهنا شىء معلوم اصلا اللهم الا ان يسمى الانسان ما يدرك الحس علما ثم اخذ يذكر ما يلزم من المحال ان وضعنا انه ليس هاهنا شىء غير الاشياء الجزئية فقال وايضا لا يكون شىء سرمدى ولا غير متحرك لان جميع المحسوسات تبلى ولها حركة يريد ويلزم من وضعنا بالجملة الا شىء موجود سوى الجزئيات المحسوسة الا يكون هاهنا شىء ازلى ولا غير متحرك لان جميع المحسوسات بالية فاسدة ثم ذكر ما يلزم عن رفعنا وجود شىء ازلى غير متحرك فقال ولا كن ان لم يكن شىء سرمدى ولا غير متحرك لم يمكن ان يكون كون ايضا˹ ثم اخذ يبين كيف يكون هذا اللزوم فقال لانه ينبغى ان يكون المكون والذى منه يكون الكون يريد لانه يجب ان كان الكون موجودا ودائما ان يكون هاهنا شىء يفعل الكون اولا وهو غير مكون وشىء منه الكون اولا وهو ايضا غير مكون ثم قال وان تكون اوائل هذه الاشياء غير مكونة ان كانت تقف وكان لا يمكن ان يكون شىء من لا شىء يريد وذلك انه واجب ان تكون اوائل الكون غير كائنة اذ كان واجبا الا يكون شىء من شىء الى غير نهاية ولا شىء من لا شىء واذا كان ذلك كذلك فواجب ان يقف الكون وينقطع وان يبتدى ايضا من غير سبب محرك ثم قال لانه ان كان كون فباضطرار ان يكون للحركة نهاية˹ من قبل انه ان كانت حركة الكون غير متناهية لم يوجد المتكون اى لا يتم كونه ˺فانه ليس شىء من الحركات لا نهاية لها بل لكل حركة غاية وتمام يريد فانه ليس يمكن ان توجد حركة مستقيمة لا نهاية لها ثم قال ولا يمكن ان يكون الذى لا يمكن ان يتكون فاما الذى تكون فهو ممكن من اول ما تكون اضطرارا يريد ان الدليل على انه لا يمكن ان توجد حركة مستقيمة لا نهاية لها ان هذه الحركة لا يمكن ان توجد اعنى ان يتم كونها وما لا يتم كونه فليس يشرع فى الكون ولا هو ممكن ان يبدا بالكون وهذا الدليل هو بعينه الذى استعمله فى السادسة من السماع حيث يقول ومثال ذلك انه لما لم يكن ممكنا ان يوجد انسان فى طول الميدان لم يمكن فى هذا الانسان ان يوجد فى الكون وهذا كانه شك فى وجود الكون دائما وقد حل هو هذا الشك فى السماع حيث يقول ان هذا ممكن فى الحركة الدورية فى الكون من حيث يكون الكائن من فاسد والفاسد من كائن ثم قال وايضا ان كان الشىء الكلى هو الهيولا لانها لم تتكون فالجوهر اذ تكون اوجب كلية من الهيولى يريد وايضا ان كان الكلى الذى لا يتغير يجب ان يكون هو الهيولا من قبل ان كليهما غير مكون فالصورة احق بذلك فانها لا تتكون ايضا ولا تفسد وهى شىء موجود بالفعل والهيولى بالقوة ثم قال فانه ان لم يكن الكلى لا الهيولى ولا الجوهر لم يجب ان يكون شىء البتة˹ وانما قال ذلك لانه لما كان الكلى جوهرا وكان ليس هاهنا جوهر الا هذين اعنى فى المشهور فبين انه ان لم يكن الكلى واحدا من هذين انه ليس شيئا من الاشياء الموجودة ثم قال فان لم يكن هذا فسيكون الكلى الذى هو غير هذه الاشياء الجزئية الصورة والشكل ضرورة يريد فان لم يكن الكلى هو الهيولى فباضطرار ان يكون الكلى الذى هو غير الاشياء الجزئية الصورة والشكل ثم قال فان ادعى احد هذا لزمته من ذلك شناعات لانه لا يمكنه ان يقول ان هذا جائز فى جميع الاشياء بل يجوز ان يكون فى بعضها وفى بعضها لا يكون يريد لا كن ان ادعى هذا القول مدع وانزله موجودا خارج النفس على انه جوهر قائم بذاته لزم قائل هذا القول شناعات لانه لا يمكنه ان يفرض جميع الكليات بهذه الصفة بل انما يمكنه ذلك فى بعضها دون بعض واشار بذلك الى كليات الامور الصناعية والى كليات الاعراض فانه ليس يقدر احد ان يضعها جواهر مفارقة وانما يمكن ذلك فى جواهر الامور الطبيعية ولذلك قال فمعلوم انه لا يمكن ان يكون هذا فى جميع الاشياء لانا لا نقول ان بيتا غير البيوت المفردة يريد لانه ليس يمكن احدا ان يدعى ان هاهنا بيتا كليا موجودا خارج نفس الصانع غير البيوت الجزئية ولا حرف كلى غير حروف المعجم الاربعة والعشرين حرفا
[13] Textus/Commentum
Halaman 242