مع ذاك، ويجوز أن يكون المعنى أنها ربيئته إلى أن يستل سيفه، وبعد ذلك فالعمل للقلب، ويكون إلى الانتهاء. وقوله: من حد أخلق فيه توسع، لأن السيف يستل من الغمد فيصير مسلولًا. ألا ترى قوله:
إذا سل من جفنٍ تأكل أثره ... على مثل مصحاة اللجين تأكلا
وهذا جعل الجفن مسلولًا والسيف مسلولًا منه. ألا ترى قوله: إلى سلةٍ من حد أخلق، فهو في ذلك كقولهم: أدخلت الخف في رجلي، والقلنسوة في رأسي.
إذا هزه في عظم قرنٍ تهللتنواجذ أفواه المنايا الضواحك
مثله قول الآخر:
سقاه الردى سيفٌ إذا سل أومضت ... إليه تنايا الموت من كل مرقب
وإن كان هذا وصف السيف وقوة صاحبه في الضرب. والمعنى أنه متى حركه في الضريبة ضحك الموت علمًا بظفره بالمضروب. وذكر التهلل والناجذ مثلٌ وتصويرٌ للمراد. وقوله المنايا الضواحك. أي التي من شأنها أن تضحك عند الظفر بمطلوبها، وإنما قال في عظم قرن إيذانًا بأنه لا يتعرض له إلا من يقارنه بأسًا وشدة، وكذلك هو لا يعمل هذا السيف إلا في عظم من يقارنه حزمًا ونجدةً، ونسبة التهلل إلى النواجذ مجاز وسعةٌ، وهذا كما يقال سر فلانٌ بكذا حتى صار لكل سنٍ له ضحكٌ. وقد سميت ما يبدو من الأسنان عند الضحك الضواحك.
يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك
قوله: يرى الوحشة الأنس أي ذلك مذهبه. وهذا كما يقال هو يرى رأى أبي حنيفة، أي يذهب مذهبه. فيقول: أنس هذا الرجل التام في التفرد الذي يعده غيره وحشةً. وإتباعه الأنس الأنيس تأكيدٌوإظهارٌ مبالغة. وهذا كما قيل: ظلٌ ظليلٌ، وداهيةٌ دهياء. وهم يبنون من لفظ الشيء ما يتبعونه به طريق التأكيد. وقوله: يهتدي بحيث اهتدت يصف علمه بالطرق واستغناءه عن الدليل. وقد قيل في أم النجوم إنه الشمس، وقيل هو المجرة. والمعنى أنه يهتدي بحيث تهتدي الشمس.
1 / 74