أراد بقوله " يصغر " صغر القدر وخفته ونزارته في الهم والفكر. وخص " التلاد " وهو المال القديم، لأن النفس بمثله أضن، وبه أنفس، وله أضبط. نبه بهذا الكلام على أنه يخف عل قلبه ترك الدار والوطن خوفًا من التزام العار، كذلك يقل في عينه إنفاق المال عند انصراف اليد حائرةً للمطلوب، جامعةً له. وجواب " إذا " قدم عليه وهو قوله " يصغر "، فأما قوله " كنت طالبًا "، فقد حذف منه الضمير العائد إلى الذي، والتقدير كنت طالبه.
فإن تهدموا بالغدر داري فإنها ... تراث كريمٍ لا يبالي العواقبا
الهدم: القلع والتخريب، ويسمى المهدوم هدمًا. قال:
كأنه هدجم في الجفر منقاض
وتوسعوا فيه فقيل للثوب الخلق هدمٌ، وجمعه أهدامٌ. وقيل عجوزٌ متهدمةٌ أي هرمةٌ فانية. وتهدم عليه من الغضب، كما يقال تهجم. والغدر: ترك الوفاء، ومنه غادرته، والغدير. وكأن هذا الرجل كان أخل بداره لنائبةٍ نابته فصار يخاطب أعداءه ويريهم قلة فكره فيما تجري عليه أحواله من جهتهم، وفيما تفضي عواقب أمره إليه معهم، فيقول: إن تخربوا داري غدرًا منكم فإنها ميراث رجلٍ هكذا، ويعني به نفسه، وسمي ملكه ميراثًا وهو حيٌ، والمعني أنه سيورث، وهذا تسمية الشيء المتنقل في أيدي ملاكه والمتصرفين فيه على التشبيه: ميراثًا، وإن لم يتنقل بالأسباب والأنساب. على ذلك قول الله ﷿: " ولله ميراث السموات والأرض "، وقوله: " وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ". وتراث، أصله وراثٌ، والتاء فيه كالتاء في تكأةٍ وتخمةٍ. وقوله: " تراث كريمٍ " أراد بالكرم التنزه عن الأقذار، والتباعد من جوالب العار. على ذلك قول الله تعالى: " وإذا مروا باللغو مروا كرامًا ". وقوله: " لايبالي العواقبا " يقال: ما باليته بالةً وباليةً ومبالاةً وبلاء، وما باليت به. وكأنه أخذ من البلاء، واستعمل في المفاخرة وتعداد الخصال الحسنة عند المنافرة، ثم كثر استعماله حتى صار يقال في الاستهانة بالشيء. ويشهد لهذا الذي قلناه قول الآخر:
مالي أراك قائمًا تبالي ... وأنت قدمت من الهزال
1 / 54